على رغم ضآلة عدد القوات الأميركية في شرق سوريا، ومع الأخذ بالاعتبار أهمية وجودها ولو«رمزياً» لاستثمار نفوذها السياسي والعسكري، قرر الرئيس دونالد ترمب توزيع هذه القوات وفق مهمات محددة، بنقل جزء منها مؤقتاً إلى العراق، وجزء آخر إلى الحدود الأردنية، والجزء الثالث يبقى لحماية حقول النفط، حتى إن وزير الدفاع «مارك إسبر» أكد أنها«ستبقى للحيلولة من دون وصول داعش، أو أي قوى أخرى» من دون أن يحدد سقفاً زمنياً لبقائها. وإذا كانت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) رحبت بهذه الخطوة واعتبرتها كافية لخلق توازن يحميها من أي هجوم عسكري تركي، أو سوري حكومي، فهي تؤشر في الوقت ذاته إلى حرص أميركي على حماية حقول النفط في دير الزور والحسكة، والتي تسيطر عليها القوات الكردية، مع العلم أن مناطق النفط والغاز تمتد إلى تدمر وريف حمص (وسط سوريا)، والتي تسيطر عليها القوات الروسية مع الفيلق الخامس التابع للنظام. ولذلك وصفها المراقبون بأنها أبعد من تموضع عسكري في بقعة جغرافية محددة، بل تتجاوزها إلى «مثلث جغرافي» بين العراق وسوريا، مع الأردن، ويقترب من إسرائيل، وهي حليفة واشنطن الأولى والمدعومة منها لإنجاز دورها «الوظيفي» في المنطقة، فضلاً عن كون هذا المثلث موقعاً «استراتيجياً» للحد من توسع وتقوية نفوذ قوى أخرى في المنطقة.
تحتوي الأراضي السورية على حقول نفطية مهمة، ويبلغ احتياطيها المؤكد نحو ملياري برميل، وكانت قبل الأحداث تنتج 385 ألف برميل يومياً، بما يؤمن لها دخلاً سنوياً يصل إلى 13 مليار دولار، ولكن منذ بدء الأحداث، وقعت المناطق النفطية تحت سيطرة «داعش»، ثم «قسد»، والقوات الروسية والأميركية، وقدرت خسائر النظام بنحو 75 مليار دولار. وظلت الشركات الأجنبية (أوروبية، أميركية، صينية، كندية، وحتى روسية) تعمل في القطاع النفطي حتى العام 2013، حيث انسحبت بعدما تكبدت خسائر بلغت 6.4 ملياردولار. وفي الوقت الذي علقت فيه هذه الشركات أعمالها بسبب التطورات الأمنية، لوحظ أن شركة «سيوز نفط غاز» الروسية، تحصل على حقل التنقيب والإنتاج في الجرف القاري التابع لسوريا. ومن الطبيعي أن يساعد نفوذ روسيا واستثماراتها على ضمان مصالحها في المنطقة، حيث وقعت مع العراق إتفاقاً لإعادة بناء خط كركوك بانياس، ويمتد إلى الساحل اللبناني لتشغيل واستثمار منشآت النفط في طرابلس والذي التزمته شركة «روسنفت»، إضافة إلى حصة شركة «نوفاتيك» بالاستثمار في لبنان.
ويبدو أن الأميركيين ليسوا بعيدين عن هذا الهدف الجيوسياسي، وسبق لهم أن وضعوا دراسات بإشراف وزارة الخارجية خلال تولي هيلاري كلينتون مسؤوليتها، توصي بأن يكون استغلال نفط سوريا في أيدي شركات أميركية، وخاصة الشركة التي اكتشفت حقول الغاز في إسرائيل، ويمثلها في علاقاتها بالدوائر الأميركية الرئيس السابق بيل كلينتون، وهي في الوقت نفسه تسعى لاستغلال هذه الثروة المرتقبة في سواحل لبنان البحرية، وذلك انطلاقاً من حرص الأميركيين على ضرورة أن يكون تطوير موارد شرق البحر المتوسط تحت سيطرتهم.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية