ظهر إدخال عملية «التسجيل القومي للجنسية» التي تقوم بها حكومة حزب بهاراتيا جاناتا باعتباره قضية سياسية كبيرة مع وعد الحزب الحاكم بأن يطبق «مسعى التحقق من الجنسية» عبر البلاد. والقضية يُنظر إليها باعتبارها شقاقية ومصدر سعادة للمتشددين من الجناح اليميني في الحزب الحاكم ممن يعتقدون أن هناك مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين تسللوا إلى الهند عبر الحدود منذ عقود. وكبداية، يريدون ليس فقط حرمان ملايين المواطنين الهنود الذين ينتمون للأقليات في ولاية آسام التي تتاخم بنجلادش من حق التصويت بل إبعادهم أيضاً من الهند.
وأعلن «أميت شاه» وزير الداخلية الهندي الاتحادي وهو يعتبر من المتشددين في الحزب الحاكم في عدد من المناسبات أن الحكومة تتطلع إلى توسيع عملية التسجيل القومي للجنسية من ولاية آسام- الشمالية الشرقية التي بدأت فيها العملية في بداية الأمر من أجل إعادة المهاجرين البنجلادشيين إلى ديارهم- لتمتد إلى باقي البلاد. والمثير في الأمر أن هذا الطلب من زعماء حزب بهاراتيا جاناتا يأتي حتى من ولايات لا يوجد فيها قضية هجرة غير مشروعة. وولاية هاريانا في شمال البلاد على سبيل المثال لا تشتهر بوجود مشكلة في الهجرة غير المشروعة لديها. لكن لأن هذه الولاية ستجري انتخابات للمجلس التشريعي المحلي في غضون أيام، بدأ زعماء الحزب الحاكم على مستوى الولاية يثيرون القضية على أساس أن الفكرة ستعزز التأييد لهم وسط قطاع من الناخبين ليصوتوا لصالح حزبهم.
وبعد فترة قصيرة من تدشين عملية «التسجيل القومي للجنسية» في ولاية آسام، أُعدت قائمة تضم ملايين الناس وطلب منهم تقديم مستندات لإثبات أنهم هنود وكانوا يعيشون في الولاية قبل مارس 1971، أي قبل تاريخ إعلان بنجلادش استقلالها عن باكستان. وأجريت العملية برمتها بطريقة عشوائية. ففي بداية الأمر، وجد 33 مليون هندي، كثيرون منهم من الشخصيات البارزة، أنفسهم في هذه القائمة. ثم دفعت شكاوى المواطنين المذعورين والانتقادات الشديدة الحكومة إلى إعادة النظر في القائمة. وبعد تنقيح القائمة وجد 1.9 مليون شخص أنفسهم مستبعدين من الجنسية وفي طريقهم لأن يوصفوا بأنهم أجانب.
لكن زعماء حزب بهاراتيا جاناتا المحليين، وصفوا القائمة هذه المرة بأنها ليست على صواب لأن عدداً كبيراً من الهندوس أيضاً لم يستطيعوا تقديم الوثائق الملائمة وتم تضمينهم في هذا القائمة. وهذا أثار غضب القيادات في الجناح اليميني لأنهم يريدون تجريد المسلمين وحدهم من الجنسية الهندية وحرمانهم وحدهم من حق التصويت. ورغم كل هذه الفوضى، أصر زعماء حزب بهاراتيا جاناتا على تطبيق هذا في أجزاء أخرى من البلاد مثل ولايات اوترا براديش وهاريانا المحوريتين رغم أنهما لا يتاخمان دولا أخرى في حدودهما. ومن المتوقع أن تثبت صعوبة التطبيق على مستوى البلاد التي يقطنها 1.25 مليار نسمة. فقد تسبب الحديث عن مسعى التحقق من الجنسية على امتداد البلاد بالفعل في حالة من الهلع في كل أجزاء البلاد تقريباً. وتطبيق العملية في ولاية آسام تسبب في قلق لدى بعض الأقليات الدينية.
وذكرت وسائل إعلام هندية أن مئات الأشخاص من جماعات الأقليات وقفوا في طوابير، في ولاية البنغال الغربية المجاورة لولاية آسام، عند المكاتب الحكومية والبلدية لتصحيح أخطاء في الوثائق والحصول على شهادات ميلاد وأدلة أخرى لتأكيد الجنسية. وظهرت مخاوف تسببت فيها بيانات أصدرها مسؤولون من حزب «بهاراتيا جاناتا»، أكدوا فيها أن «البنغال الغربية» ستكون التالية في مسعى التحقق من الجنسية.
فقد اقترحت الحكومة في «تعديل مشروع قانون الجنسية» أن يُمنح الهندوس والسيخ والبوذيين الجنسية إذا أثبتوا أنهم مقيمين في الهند منذ ما قبل 31 ديسمبر 2014. والتعديل في مشروع قانون الجنسية يعد بمنح الجنسية الهندية لأتباع كل هذه الديانات. والواقع أن مشروع القانون هذا قُدم للبرلمان عام 2016 لكنه سُحب بسبب اعتراضات من أطراف مختلفة. لكن الحزب الحاكم يمهد حالياً مرة أخرى التربة لتقديمه من جديد بعد أن وافقت عليه هيئة برلمانية مشتركة.
وبصفة عامة تُصوت جماعات الأقلية للأحزاب الليبرالية التقدمية، وبالتالي يعتبرون ذخيرة تصويت المعارضة. وتجريدهم من الجنسية يجرد جماعات الأقلية من حق التصويت. وهذا قد يحرم حزب «المؤتمر الوطني» وأحزاب المعارضة الأخرى من بضعة ملايين من أصوات الأقليات، لكن النتيجة النهائية، قد يثبت أنها ضارة للبلاد، لأنها ستوسع طائفة الأشخاص الذين بلا جنسية مع ما يصحب هذا من نتائج لا يمكن تخيلها في الأجيال القادمة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي