مع مشاركتي في «منتدى الاتحاد» الرابع عشر يوم 20 أكتوبر، انتقلت نفسي من أفق الواقع الدولي المشحون بالصراعات والمظالم التي يوقعها القوي بالضعيف إلى أفق حلم إنساني نبيل ورفيع يحمل بشارات الأخوة الإنسانية. وقد تمحور الحوار خلال المنتدى حول رؤية الإمارات لعالم متعايش متسامح. ومن خلال الأوراق البحثية والمداخلات، تتبين أنك محظوظ لتعرفك إلى هذه الرؤية، وتشعر بالتفاؤل حول إمكانية التغلب على أمراض التعصب والعنصرية والعنف في العالم.
وقد خرجتُ من المنتدى بروح مشحونة بالعزم على المساهمة في تحقيق الإخاء والتسامح من خلال كتاباتي الصحفية وعبر محاضراتي الجامعية.
إن إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2019 عاماً للتسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة، يمثل مبادرة نبيلة تفضي إلى زراعة هذه القيمة في حياة المواطن الإماراتي، كما تؤدى أيضاً إلى نشرها في العالم ككل من خلال ملايين البشر المنتمين إلى مائتي جنسية تعيش على أرض الإمارات.
لقد لمست بنفسى أثر هذا الإعلان لدى أصدقائي المصريين والعرب المقيمين في الإمارات، إذ وجدتهم متأثرين بذلك الإعلان النبيل، كما وجدت أبناءهم الصغار وقد تلقوا قيمة التسامح من خلال المدارس ومقرراتها التربوية، ما يعني تنشئة جيل عربي جديد قادر على تقبل الآخر المختلف وعلى احترام ثقافات العالم المتعددة والتعايش معها في سلام دون تعصب، من ناحية، ودون أن يفقد هويته العربية، من ناحية ثانية.
وقد نبهني ذلك إلى الأثر الوظيفي المهم الذي يمكن أن تلعبه قيمة التسامح في مكافحة ثقافة التعصب، وهي الثقافة التي تنبت الأشواك في حياة البشر وتؤدي إلى ظاهرة الإرهاب التي يعاني منها العالم وظاهرة الاضطهاد العنصري والديني التي ما زال العالم يعاني آثارها في عدد من المجتمعات.
إن تبنِّي دولة الإمارات لقيمة التسامح وتخصيص عام كامل لتعزيزها، يقدم نموذجاً مؤثراً في الحياة الإنسانية على اتساعها، خصوصاً إذا استطعنا توصيل النموذج إلى الدول الأخرى من خلال المحافل الدولية ومنظمات الأمم المتحدة ووسائل الإعلام الدولية المؤثرة، ومن خلال مخاطبة أقطاب الفكر والثقافة في دول العالم وإطلاعهم على هذه المبادرة.
كان مهماً أن يخصص منتدى الاتحاد جلسته الثانية لتجربة الإمارات في نقل رؤيتها حول الأخوة الإنسانية إلى العالم من خلال ثلاث أوراق بحثية، خصصت الأولى لدلالة زيارة البابا في تأكيد الرؤية الهادفة إلى ترسيخ دولة الإمارات كعاصمة لتسامح الشعوب، وخصصت الثانية لإبراز أهمية «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقعها فضيلة شيخ الأزهر وقداسة بابا الفاتيكان، في فبراير 2019، والتي تطالب قادة العالم بالعمل الجاد على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام. وخصصت الورقة الثالثة لمبادرة «بيت العائلة الإبراهيمية» وأثرها في تعزيز مفهوم الأخوة الإنسانية.
إن التفاؤل الذي تبعثه المبادرة بتخصيص عام للتسامح يتضاعف عندما نعلم أن باقة من التشريعات والسياسات قد انطلقت لتعزيز هذه القيمة الأخلاقية النبيلة وتحويلها إلى واقع ملموس على أرض الدولة. وعندما أستحضر إلى جانب ذلك قيمةَ سعادة الإنسان التي تحتفي بها الإمارات، أدرك أنها دولة قررت زرع القيم الإنسانية النبيلة التي يحلم بها كل البشر، وأنها قدوة يجب أن يحتذى بها.

*أستاذ الدراسات العبرية -جامعة عين شمس