أياً كان ذلك الذي وضع المادة 50 لمغادرة الاتحاد الأوروبي، فإنه ربما لم يخطر بباله إطلاقاً أنها ستُستخدم كشكل مجنون من التعذيب الإجرائي يشبه الكابوس.
كان من المفترض إنهاء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في شهر مارس الماضي، لكن عجز المملكة المتحدة عن تحديد ما تريده قد أحبط أفضل الخطط التي وضعها التكنوقراط في بروكسل. وبعد رفض وستمنستر ثلاث مرات لاتفاق بريكست الأصلي الذي وضعته رئيسة الوزراء السابقة «تيريزا ماي»، وبعد تمديد الاتحاد الأوروبي مرتين للموعد النهائي الأصلي لتنفيذ «بريكست»، أصبح بوريس جونسون الآن رئيساً للوزراء ودخلنا «عالم بيزارو» (كوكب خيالي) حيث تم قلب الواقع رأساً على عقب.
ولدينا اتفاق بريكست جديد يصر الاتحاد الأوروبي على أنه ليس إعادة للتفاوض، وهو ترتيب خاص لإيرلندا الشمالية تقول المملكة المتحدة إنه ليس داعماً (اسم الضمان الأصلي في صفقة ماي لتجنب وجود حدود صارمة في إيرلندا)، وطلب رسمي بريطاني لتمديد الموعد النهائي لتنفيذ بريكست والذي يقول جونسون إنه لا يريده.
يمكنك أن تتخيل الزعماء الـ27 الآخرين في الاتحاد الأوروبي يأخذون نفساً عميقاً وهم يشعرون بالارتياح. لقد بذلت الكتلة جهداً هائلاً لتفادي المحاولات البريطانية لإحداث انقسام بين أعضائها حول «بريكست»، وتم الترحيب بالاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس مع جونسون بارتياح. وأخيراً، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن ينتقل إلى قضايا أخرى، من حروب التعريفات مع الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب إلى معالجة التغير المناخي ومحاولة التمسك برأي حازم تجاه الصين.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أمطر جونسون بعبارات الإطراء، فلا شك أنه سعيد بأن إبعاد البريطانيين –بطريقة ودية (بالطبع)– من شأنه أن يزيل عقبة أمام طموحاته لتحقيق تكامل أعمق في الاتحاد الأوروبي. والآن، مرة أخرى، فقد عاد احتمال التأخير، ومعه خطر حدوث المزيد من العدوى، حيث من الممكن أن تصيب السياسة الوطنية المتعثرة في بريطانيا الإدارة المنظمة للاتحاد الأوروبي وتهدد وحدته العزيزة.
إذن، ما الذي يجب أن تفعله الكتلة؟
إن الرد على عجل ليس في مصلحة أحد. فالبرلمان لم يصوت فعلياً بعد على اتفاق بريكست الجديد. وقد فرض المشرعون البريطانيون على جونسون طلب تمديد لمدة ثلاثة أشهر كوسيلة للتأكد من أن الموعد النهائي لن يجعله هو، وحلفاءه المؤيدين لبريكست يجبرون مجلس العموم على قبول «صفقة أو لا صفقة».
وأي حكم من بروكسل بشأن التمديد قبل تصويت البرلمان على اتفاق جونسون (والذي رفضه مجلس العموم البريطاني) سيُنظر إليه على أنه تدخل في سياسة المملكة المتحدة. وبالمثل، فإن الانحياز إلى جونسون من خلال استبعاد أي تأخير سيعني إلزام الاتحاد الأوروبي بانفصال مرتجل من دون اتفاق، الأمر الذي سيكون مدمراً من الناحية الاقتصادية. وإذا لم يكن هناك ما يكفي من الوقت لتنظيم التصويت نفسه قبل نهاية أكتوبر الجاري، فإن الاتحاد الأوروبي سيسمح بالتمديد، فهو ليس لديه مصلحة في إغلاق الباب قبل الأوان، بصرف النظر عما يقوله الوزراء المؤيدون لبريكست مثل «مايكل جوف».
وإذا وافق أعضاء البرلمان على اتفاق جونسون بسرعة، فإن النقاش سيكون مثاراً. لكن من الواضح أن الاتحاد الأوروبي سيمنح المملكة المتحدة وقتاً كافياً لوضع بريكست في إطار تشريعي.
وستتعقد الأمور إذا ما عمد يستمنستر إلى إحباط خطط ماكرون لتنفيذ اتفاق الطلاق بسرعة، ورفض اتفاق جونسون. وإذا فشل الاتفاق بعدد قليل من الأصوات، وكانت تلك الأصوات من حلفاء جونسون الساخطين في الحزب الوحدوي الديمقراطي في إيرلندا الشمالية، فإن آراء ماكرون الأكثر تشدداً بشأن التمديد يمكن أن يكون لها تأثير قوي. وقد تقدم بروكسل تأخيراً قصيراً فقط (أقل من ثلاثة أشهر) لمحاولة إجبار أعضاء البرلمان المماطلين على المشاركة أو مواجهة الخروج من دون اتفاق.
ولكن إذا بات من الواضح أن اتفاق جونسون لن يحصل على موافقة مجلس العموم، فإن هذا سيثبت للاتحاد الأوروبي أن بريطانيا بحاجة إلى تغيير سياسي عميق لكسر الجمود.
وعلى الرغم من أن بعض التمديد يبدو حتمياً، فإنه لا يجب أن يقلل أحد من مدى توتر هذا النقاش بين قادة الاتحاد الأوروبي. ولن يلوم مؤيدو بريكست الاتحاد الأوروبي بعد الآن على ما يبدو من الواضح أنه مشكلة خاصة بالمملكة المتحدة.
إن نفاد صبر ماكرون مع لندن يمتد إلى زملائه من الزعماء الأوروبيين الآخرين، حيث تتحدث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن بريطانيا باعتبارها «منافسة» ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وهناك نقطة أخرى حيث سيتم اعتبار التأخيرات التي لا نهاية لها أكثر تكلفة من إتمام بريكست دون التوصل لاتفاق.

*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»