«المناطق الآمنة» هي واحدة من أكبر التسميات الخاطئة في السياسة الدولية. ويشير البحث الذي أعددته عن العمليات العسكرية عبر الحدود إلى أن فرض مثل هذه المناطق يخلق فراغاً أمنياً، وليس مكاناً عازلاً أو ملجأ إنسانياً. وهذا الفراغ القوي يثير احتمال تدخل قوى خارجية وزيادة العنف بالفعل.
وقد بشّر أحدث تحرك من جانب تركيا لفرض منطقة آمنة في شمال سوريا، كما هو متوقع، بموجةٍ من العنف حيث تتطلع القوات التركية إلى تطهير المنطقة من مقاتلي وحدة «حماية الشعب السورية»، الذين كانوا حتى وقت قريب في حربها ضد تنظيم «داعش».
ومن غير المرجح أن يصمد «الوقف» المؤقت للعنف، الذي يدعو المتمردين الأكراد إلى التخلي عن أسلحتهم ويعزز موقف تركيا. وتشير الجماعات الكردية بالفعل إلى حدوث انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار.
وكل هذا يشير إلى مخاطر فرض مناطق آمنة في خضم الحروب الأهلية.
ويتم إقناع السكان المحليين والجمهور الدولي بالمناطق الآمنة باعتبارها حلولا «تضمن الفوز لجميع الأطراف» –وإجراءات دفاعية تهدف إلى احتواء أو «تخفيف حدة» النزاعات.
وينجذب المشرعون لها بسبب مرونتها الاستراتيجية (والقانونية) الواضحة، إلى جانب جاذبيتها الإنسانية. تذكّر أنه في عام 2015، وعد المرشح آنذاك دونالد ترامب بإنشاء «منطقة جميلة آمنة» في سوريا.
أما القادة العسكريون فهم أقل افتتانا بالمناطق الآمنة. هذا بسبب غموضها القانوني وطبيعتها ذات الاستخدام المزدوج، الذي يدعو إلى إساءة الاستخدام في تطبيقها. وتميل المناطق الآمنة إلى أن تكون في المناطق الهامشية (أو المتنازع عليها) التي تسيطر عليها الدولة سيطرة محدودة.
ومن خلال التشجيع على إنشاء ممر إنساني للمدنيين أو اللاجئين لكي يتدفقون إليه، والمطالبة في نفس الوقت بوجود بعثة أمنية قوية لإنفاذ المنطقة، فإن هذا يؤدي إلى تعزيز ضباب الحرب، وخلق خط أمامي غير واضح يضع المدنيين في طريق الأذى.
وتُظهر الأبحاث أن المناطق الآمنة هي آليات رديئة لحماية اللاجئين أو النازحين، سواء من الاستهداف العسكري أو الاضطهاد السياسي.
تم التعريف بالمناطق الآمنة لأول مرة في العلوم الطبيعية، كوسيلة لإنشاء «منطقة خضراء» غير ملوثة بطبيعتها –حاجز لمنع العدوى (أو في هذا الحالة، عنف المتمردين) من الانتشار.
وينشأ الطلب على وجود منطقة آمنة بسبب فشل الدولة في توفير الأمن لمواطنيها. لذلك، فإنه في حالة سوريا، عرضت تركيا بناء منازل وتقديم خدمات عامة في منطقتها الآمنة المقترحة –التي يمكن أن تمتد باتساع 275 ميلاً، وعمق 20 ميلاً –لجذب 3.5 مليون لاجئ.
وسيتطلب هذا حتماً مستوى ما من الإكراه والوجود العسكري والشرطي. وهذا مستحيل عمليا، لا سيما في خضم حرب أهلية متعددة الأبعاد، بالنسبة لمنطقة آمنة لن يتم تأمينها.
يحتاج المدنيون النازحون إلى الشعور بالأمن والأمان للانتقال إلى منطقة آمنة. وكان الأتراك قد وعدوا اللاجئين السوريين الذين أعيد توطينهم بأرض مليئة بالموارد والخيرات. لكن هذه المنطقة في شمال سوريا غير متطورة. ووجود معسكرات احتجاز «داعش» بالقرب منها والشائعات بوجود خلايا نائمة تابعة لـ«داعش» لا يبشر بالخير فيما يتعلق بالخيارات المتاحة لهؤلاء الذين أعيدوا إلى وطنهم: سيضطرون إلى الاختيار بين الميليشيات المدعومة من سوريا أو تركيا أو «داعش».
ومن المستحيل تقريبا فصل الجانب الاستراتيجي عن الجانب الإنساني لمنطقة آمنة. ولهذا السبب فإن المناطق الآمنة تميل إلى تصعيد النزاعات، وليس العكس. والمنطق واضح: من خلال خلق فراغ أمني، فإن هذا يكون بمثابة دعوة للقوى الخارجية للانخراط في عمليات هجومية عبر الحدود. وقد رأينا دليلا على هذا خلال حرب فيتنام (على طول خط العرض 17 الذي يفصل بين شمال وجنوب فيتنام).
ويشير التاريخ أيضا إلى أن هذه المناطق غالبا ما تصبح ملاذا لتجارة المخدرات أو الأسلحة من قبل مجرمين منظمين، كما تثبت الأبحاث التي أجريتها في ميانمار.
وفي الواقع، على الرغم من الوقف الأخير للأعمال العدائية في سوريا، فإن المناطق الآمنة لا تؤدي عادة إلى وقف إطلاق النار الذي قد يحل الصراع. إنها في الواقع تطيل أمد الحروب.

*أستاذ مساعد في الأكاديمية العسكرية الأميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»