ليس أمراً عادياً أن تعقد الصين والهند قمتين خلال أقل من عام ونصف العام، وهما اللتان أوهنت النزاعات الحدودية والتجارية، والصراع على النفوذ الإقليمي، العلاقات بينهما على مدى ستة عقود. استقبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرئيس الصيني شي جين بينغ، الجمعة قبل الماضي، في مدينة تشيناي الجنوبية، بعد أن التقيا المرة الماضية في ووهان الصينية في أبريل 2018. لم يفصح أي من الطرفين عن نتائج محددة توصلت إليها القمة. لكن أجواء القمة دلت على وجود ارتياح متبادل ظهر أيضاً في تصريحات مقتضبة أدلى بها كل منهما. ولفت الانتباه إعلان مودي «إطلاق حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين، والاتفاق على إدارة خلافاتنا بحكمة»، فيما قال «شي» إنهما أجريا مناقشات صريحة كصديقين.
وهكذا يبدو أن عقد قمتين متتاليتين، حتى وإن كانتا غير رسميتين، وضع أساساً لتحول تدريجي في العلاقات الصينية الهندية، يبدأ بتفاهم على كيفية إدارة الخلافات، سواء الحدودية التاريخية منها والمستجدة أو التجارية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة. وهذه بداية ملائمة لإدارة صراع ممتد عبر السعي لتطويق أسبابه وتجنب تصاعدها أو توسعها، إلى أن تتوفر ظروف ملائمة للشروع في حلها. وعندما يحدث هذا من خلال فتح قناة اتصال على أعلى مستوى، تزداد فرص السيطرة على أي توتر يحدث في بدايته، وعدم بلوغه مستوى يمكن أن ينذر بمواجهة لا يريدها أي منهما.
وقد ساهم وجود هذه القناة في تغيير نسبي في أجواء العلاقات الثنائية، حتى قبل القمة الثانية. وظهر أول تجليات الأثر المترتب على القمة الأولى في الأزمة التي نتجت عن قرار الهند، في أغسطس الماضي، إلغاء الحكم الذاتي في الشطر الخاضع لسيطرتها من إقليم كشمير. ويمكن أن نلمس فرقاً كبيراً في ردة الفعل على قرار الهند الأخير بشأن كشمير، والمدى الذي بلغه التوتر عقب تقدم القوات الصينية لبضعة كيلومترات في القطاع الشمالي لمنطقة لاداخ في سبتمبر 2014. ونجد مثل هذا الفرق عندما نستعيد أجواء تصاعد النزاع بين الدولتين في أغسطس 2017، حين خاضتا مواجهة محدودة في منطقة دوكلام الحدودية، عقب محاولة بكين بناء طريق في المنطقة المتنازع عليها مع الهند في تلك المنطقة.
ويعني هذا أن القناة التي فُتحت على مستوى القمة بدأت تؤتي ثمارها في احتواء الخلافات. فالصين، على ما يبدو، لا تريد الانغماس في صراع إقليمي بلا سقف، في الوقت الذي يتعذر عليها توقع المدى الذي سيبلغه النزاع التجاري مع الولايات المتحدة. والهند، بدورها، لا ترغب في تفاقم خلافاتها مع الصين، على نحو قد يؤدي إلى انفلاتها وصعوبة السيطرة عليها.
وحتى إذا لم يكن احتمال هذا الانفلات كبيراً، فقد أصبحت للهند مصلحة في توجيه رسالة واضحة إلى الصين تفيد عدم وجود نوايا سلبية حيالها، لكي تتمكن من إقناعها بعدم ضرورة الذهاب إلى مدى أبعد في تطوير علاقاتها مع باكستان التي زار رئيس وزرائها عمران خان بكين والتقى جين بينغ قبل يومين على القمة الصينية الهندية. فقد حدثت نقلة كبيرة في العلاقات بين الصين وباكستان خلال العامين الأخيرين. وتقوم باكستان بدور مهم في المشروع الصيني الكبير «الحزام والطريق»، وقد أصبح توسيع ميناء جوادر أحد الركائز البحرية الأساسية لهذا المشروع، نظراً لموقعه الذي يجعله نقطة ربط بين آسيا الجنوبية والوسطى والشرق الأوسط. ولعل أهم ما تسعى نيودلهي لتجنب حدوثه هو تطور العلاقات الصينية الباكستانية باتجاه تحالف استراتيجي يُطوقها من جهتي الشمال والغرب.
وهكذا تتبع القيادتان الصينية والهندية سياسة واقعية تهدف إلى تجنب مزيد من التدهور في العلاقات بينهما، قبل أن تتطلعا إلى تحقيق تحسن فيها، إذ يستحيل حل خلافات حدودية مزمنة استمرت عقوداً في سنوات، أو معالجة تضرر الهند من وصول عجزها التجاري مع الصين إلى أكثر من 50 مليار دولار في أشهر أو حتى بضع سنوات.

*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية