في البدء كانت الكلمة، وأول كلمة كانت من وحي السماء وتلقاها خاتم الأنبياء والمرسلين هي (اقرأ)، وهي الأمر الرباني الذي يؤكد أهمية العلم والمعلمين الذين دوماً هم في مقامٍ عالٍ كونهم يحملون رسالة نبيلة ومسؤولية عظيمة تجاه الأوطان والأبناء باعتبارهم مشكاة نور ومعرفة، ولهذا ليس قليلاً أن ندعوهم ورثة الأنبياء، وكل ما سبق يقود إلى أهمية إعطاء المعلم المكانة التي يستحق ليبدع في عمله، ويكون بالفعل القدوة وصاحب العقل النيّر، والاحتفاء به هو ديدن الإمارات وقادتها، فالاحتفال به بدأ منذ عام 1994 وفي يوم المعلم الذي يوافق الخامس من أكتوبر من كل عام، كل ذلك يأتي تقديراً لمكانته ولدوره في بناء وتنمية وتنشئة الأجيال، وكان العلم والمعلمون قبل ذلك جزءاً من اهتمام الوالد زايد، رحمه الله، وهو الذي أولى التعليم مكانة كبرى منذ تأسيس الدولة، فكرس جهداً ووقتاً ومالاً للعملية التربوية والتعليمية، ومن مختلف الدول العربية استقدم المعلمين والمعلمات ليضطلعوا بذلك.
وإلى مرحلة وعصر جديدين انتقلنا بما فيهما من آليات ومناهج. وفي هذه المرحلة أصبح اهتمام القيادة متناسباً مع المتغيرات من حولنا وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في يوم المعلم الذي رعى فعاليات الدورة الثالثة منه من خلال منتدى «قدوة 2019»، والتي نظمها مكتب شؤون التعليم في ديوان سموه تحت شعار (نحو كفاءات تعليم عالمية)، وفي المنتدى تم تكريم أفضل معلم على مستوى الخليج العربي بـ«جائزة محمد بن زايد»، وحصلت عليها المعلمة ليلي عبيد اليماحي من رأس الخيمة، في تكريم يهدف إلى تحقيق فلسفة تربوية، تسهم في توفير بيئة إبداعية وحاضنة لإسهامات المعلمين التربوية والتعليمية، ويحثهم على التميّز في جوانب مختلفة رافدة لمهنتهم السامية.
لقد تركت كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أثرها لدى كل من سمعها من رواد التعليم في بلادنا، حيث قال سموه: (في يوم المعلم نستذكر ذلك العطاء الذي لا يضاهيه عطاء آخر، ممتنون لمن سطروا علماً وبنوا أمة وشيدوا نهضةً، ستظل للمعلم منزلة رفيعة في نفوسنا، وستبقى جهوده حاضرة في مسيرة البناء والتقدم، تحية تقدير لكل معلم صاغت كلماته بناة الوطن، شكراً لصناع المستقبل)، ولا شك أن التعليم يأتي في مقدمة الأولويات الوطنية لدى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ونعتز بأنها كذلك، وبأن أبناء الدولة -كما أكد سموه - هم ثروتنا الحقيقية، وهم القادرون على تحقيق طموحاتها لتنعم بالرخاء والازدهار.
ومن هنا فإن منتدى «قدوة 2019» يتماشى مع أجندة (رؤية الإمارات 2021)، التي تركز على الوصول إلى نظام تعليمي رفيع المستوى تكون جميع المدارس فيه متميزة بقيادات ومعلمين يتبنون أبرز المعايير الدولية، وبما يدعم خطة أبوظبي التي تركز على إحداث تحول كامل في أنظمة التعليم على مستوى الإمارة، لإيمانها بأن المعلم هو قدوة الأجيال، ومثلما هو معني بمسؤولياته وقائم بها، فلا بد في المقابل من دعمه ومساندته وتوفير أفضل السبل لتطوير مهاراته، وتكريمه على عطائه وتميزه، لأن دوره لا يتوقف عند حدود التعليم، بل يمتد إلى التربية كذلك، ليشارك أولياء الأمور في مهامهم التربوية، وفي تعزير الانتماء للمجتمع والوطن لدى الأبناء. ولدينا الكثير من النماذج التي نفخر بها من الآباء والأمهات ممن غرسوا فينا أهم القيم، وكذلك من الأبناء والبنات الذين هم خير ثمر لخير غرس، ولعل هزاع المنصوري رائدنا إلى الفضاء وإخوانه وأخواته ممن مثلوا الإمارات عالمياً ويمثلونها في مختلف الوظائف والعلوم والفنون هم خير مثال على ذلك.
وفي يوم المعلم تتجدد الأماني الطيبة له، وهو صاحب القامة العالية، والفكر الخلاق، وحامل الأمانة ورسالة الأوطان في عقله وقلبه، فهو الوفي لمهنته وعمله. وفي هذه المناسبة أتقدم بتحية عرفان وتقدير للمعلمين والمعلمات في المدارس والمعاهد والجامعات الذين يساهمون في تنوير المجتمعات وإخراجها من ظلمات الجهل إلى نور اليقين، تحية إكبار لهم لأنهم يؤدون أدواراً رائدة وقيادية وهم يخوضون معركة كبيرة ضد الظلام في سبيل التقدم والارتقاء ووضع بصمة في كتاب تاريخ الحضارة كما فعل كبار معلمينا كسقراط وأفلاطون وأرسطو وابن رشد ومحمد عبده وطه حسين وغيرهم كثيرون.
معلمونا ومعلماتنا يستحقون مني أن أقدم لهم أبسط الأشياء، لكنها بالتأكيد تعبر عن صادق احترامي لهم، مقيمين كانوا أم إماراتيين، فكلهم موضع احترام وتقدير، ولولا أن تعلّموا ما علمونا أو علموا أبناءنا وأحفادنا، وهنا أردد ما قاله الشاعر مصطفى صادق الرافعي:
إن المعارفَ للمعالي سلمٌ وألو المعارفِ يجهدونَ لينعموا
والعلمُ زينةُ أهلهِ بين الورى سيانَ فيه أخو الغنى والمعدمُ
فالشمسُ تطلعُ في نهارٍ مشرقٍ والبدرُ لا يخفيهِ ليل مظلمُ