تشير التقارير المتخصصة إلى أن الخطة التركية في شمال شرق سوريا هدفت إلى السيطرة على ثلاث بلدات حدودية، هي رأس العين وتل أبيض وعين عيسى، تمهيداً لغزو عين العرب (كوباني)، وكلها بلدات تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية». وكما هو معلوم، فإن القصف الجوي لا يمكن أن يحسم أي معركة إذا لم تكن هناك قوة ثابتة على الأرض، وقد واجه الأكراد بشجاعتهم المعهودة القوةَ البريةَ التركية وظهرت ملامح الصمود منذ السبت الماضي، وأثبت الأكراد أن سقوط هذه المنطقة لن يتم للأتراك من دون قتال شرس. هناك أكثر من 140 ألف مقاتل يتبعون لـ«قوات سوريا الديمقراطية» مدججين بالسلاح ويمتدون على طول 300 كيلومتر شرق نهر الفرات، وقد أقاموا خط دفاع محصن بشكل كبير ومرصع بفخاخ مضادة للدبابات ومزود بمخازن ذخيرة وفيرة.. وفوق كل هذا هم يتبعون التكتيكات الصحيحة لمواجهة التهديد الحالي. وذلك ما دفع الجيش التركي لتقليص طموحاته والاكتفاء بمحاولة الاستيلاء على ضواحي رأس العين وأجزاء من الطريق السريع الرئيس بالقرب من عين عيسى. وقد ادعى الأتراك أن المدينة سقطت، لكن ثمة شكوكاً كبيرة في صحة هذه المعلومة، ولو أصبحت بلدة رأس العين في أيديهم لأصبح بإمكان قواتهم تطويق القوات المدافعة عن بلدة عين العرب (كوباني).
الولايات المتحدة لن تسمح بسقوط كوباني، لذلك أرسلت الأسبوع الماضي قوة صغيرة من «المارينز» لتولي مواقع في البلدة، وعلى التل المطل على الطريق السريع. وفي يوم الجمعة، تعرضت هذه القوة لنيران المدفعية التركية، لكنها لم تتسبب في أضرار، وزعمت تركيا أن إطلاق النار وقع بالخطأ، وهم يكذبون في ذلك والأميركيون يعلمون كذبهم، فالضباط الأتراك لديهم خرائط مفصلة لمواقع القوات الأميركية في المنطقة. هذا «الخطأ» لن يخفف من صعوبة وضع الأتراك الهش أساساً بسبب رفض الولايات المتحدة وروسيا السماح لطيرانهم العسكري بالعمل في المجال الجوي السوري، وهذا بلا شك، يعوق قدرتهم على التقدم بعيداً عبر نهر الفرات. الهدف الكبير لأردوغان من وراء هذه الغزوة، هو أن يقتل الحلم القديم في لحظة، وأن يجعل من المستحيل على أكراد سوريا إقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي. هذا الهدف بعيد عن متناول أردوغان، وليس أمامه إلا أيام معدودة قبل أن يقر المشرعون الأميركيون العقوبات ضده وجنرالاته وضد الاقتصاد التركي كله.
المضحك المبكي في الأمر، أن أردوغان أطلق تغريدة في «تويتر» بالعربية يصف فيها جيشه بـ«الجيش المحمدي»، لكنه لم يجرؤ على استخدام هذه المفردة في تغريدته بالإنجليزية، حيث قال هناك «الجيش التركي»، وقد فضحته وسائل الإعلام في لحظته وبينت نفاقه المعهود. أما جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية وأتباعها من الجهلة والمغرر بهم، فقد هللوا وكبّروا لغزوة المسلمين السنة الأتراك ضد المسلمين السنة الأكراد(!)، واستبشروا بنصر مبين لم يحدث ولن يحدث أبداً إلا في أحلام أناس يعيشون حياتهم في عالم الأحلام المريضة.