في عام 1986م أبلَغنا وزير المواصلات، آنذاك، محمد الملا - وكان رئيس مجلس إدارة مؤسسة الاتصالات في الوقت ذاته - بأن (المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، استفسر منه: لماذا نستخدم اسماً أجنبياً للمؤسسة؟ إننا دولة عربية ويجب أن نستخدم اسماً عربياً). ثم وجّه باختيار اسم عربي بدلاً من (امرتل) الأجنبي. وبعد نقاشات مطوّلة، توصلنا إلى إطلاق اسم عربي عليها هو (اتصالات). لكن معضلة جديدة أطلت برأسها هي كيف نكتب اسم (اتصالات) باللغة الإنجليزية؟ كان من الطبيعي أن يكتب بحرف الآي (i) كمرادف للألف مع الهمزة. أحد العاملين معنا كان اقتراحه: لماذا لا يكون حرف (E) لما له من رمزية في الرياضيات والفيزياء؟ كما عقّب بعضنا بأن الحرف (E) يرمز إلى الحرف الأول من كلمة إمارات بالإنجليزية. والمثالان كانا صحيحين. ويقول مؤلف كتاب (محطات.. رحلة المهنة والحياة) محمد عمران: لكن السفير البريطاني في الدولة وقتذاك سأل: لماذا استخدمتم «الإي» بدلاً من «الآي»؟ ولم نكن لنلومه، فقد تفهمنا حماسته للدفاع عن لغته. واسم اتصالات الجديد الذي أطلق على أول مؤسسة وطنية بعد قيام الاتحاد، إنما جاء لسهولة حفظه ولفظه، ثم أن الناس كانت قد تداولته من قبل لسنوت فترسخ عندها. وكلام كهذا يأتي في الفترة التي تلت الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971م، حيث شهدت نشاطاً تنموياً واقتصادياً يهدف إلى رفع مستوى معيشة الفرد في شتى المجالات، وإلى تقديم أفضل الحلول لرفاهية وراحة المواطنين والمقيمين في الدولة. وتلك كانت خريطة طريق وضعها الأب القائد برؤيته وفطنته لتسير عليها القيادة من بعده. من بين المؤسسات الأبرز التي جرى التركيز عليها في فترة التأسيس تلك، شركة (إمرتل) المتخصصة في مجال خدمة الاتصالات. وكانت (إمرتل) قد بدأت خدمة الاتصالات في الإمارات العربية المتحدة مع (شركات أجنبية عملت على نحو مستقل في كل إمارة على حدة، وبمشاركة مواطنين)، وذلك قبل أن ترتأي الحكومة أن تقوم شركة واحدة وطنية تخدم الإمارات كلها في مجال الاتصالات، بدلاً من شركات صغيرة موزعة في كل إمارة ومملوكة لجهات حكومية محليّة، ومساهمين مواطنين، مع شركاء أجانب. وبناء على هذه الرؤية جرى تأسيس (إمرتل) في شهر سبتمبر عام 1976م، لتكون الشركة الوطنية التي حملت فيما بعد اسم اتصالات.
كانت إدارة (إمرتل) في معظمها أجانب (من الإنجليز ومعهم بعض الموظفين الآسيويين من الهند وباكستان وسريلانكا، وعدد قليل من المواطنين والعرب الذين تولوا أعمالاً تتطلب التواصل مع الجهات الحكومية المحلية والاتحادية، والتعامل مع كبار المشتركين من المواطنين). وهذا ما أصبح تاريخاً ماضياً الآن يستوجب العودة إليه من قبل الأجيال الحالية للعبرة والفائدة. ويذكر أنه في الأشهر الأولى من عام 1977م جرى استقبال بثٍ حيٍّ لمباراة مصارعة حرة عالمية في أميركا، عبر محطة جبل علي للأقمار الصناعية، ليشاهدها الناس من خلال شاشة تلفزيون الكويت بدبي. ليعدَّ ذلك الحدث أول نقل تلفزيوني حيٍّ في الإمارات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إنشاء أول محطة تلفزيونية في الإمارات قامت بها دولة الكويت بتاريخ 09-09-1969م. مقطع القول: إن العربية في الإمارات كانت ولا تزال أبعد من أن تقتصر على كونها هوية، بل هي منهج حياة، وطريقة تفكير، وأسلوب بناء وتنمية للقيم الحميدة في الأبناء، يجري الدفاع عنها اليوم بأكثر من شكل وطريقة، بدءا من الحرص على استخدامها في كافة المؤسسات، وتأسيس جميعة خاصة لها في أبوظبي تبحث في شؤونها، والإعلان عن تأسيس «هيئة للغة العربية» في أبوظبي، كما أن هنالك مجمعاً للغة العربية جرى تأسيسه منذ أعوام في الشارقة، أما في دبي فالدلائل تتجلى في الملايين من البشر المشاركين في تنافس القراءة العربية الحرة من كافة البلدان العربية وغيرها ممن ينطق بها. اللغة العربية في الإمارات بهذا المعنى لا تقف عند كونها هوية، بل هي أبعد من ذلك بكثير: فهي تزيد في العقل وتُعلي المروءة. هذا ما كان يعنيه الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في حرصه عليها.