وفقًا للمادة 45 من الدستور الإماراتي، يعتبر المجلس الوطني الاتحادي السلطة الرابعة في الدولة، وله دوره البرلماني والاستشاري كممثل لشعب الإمارات كافة، ويتشكّل المجلس من أربعين عضواً يتم تعيين نصفهم من قبل حُكام الإمارات، ويُنتخب النصف الآخر من قبل الشعب، ومن أهم أدواره: مراجعة القوانين الاتحادية ورفع التوصيات بشأنها، ومناقشة مشروعات القوانين الاتحادية بما فيها مشروعات القوانين المالية، وإقرارها، وتعديلها، أو رفضها، ومراجعة مشروع الميزانية العامة للدولة ومشروعات حساباتها الختامية، وإبداء الرأي في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومناقشة الموضوعات العامة التي تتعلق بشؤون الاتحاد وتقديم التوصيات، كما يمارس المجلس الوطني الاتحادي صورة الرقابة السياسية من خلال أدوات محددة هي: طرح موضوعات عامة للمناقشة ورفع التوصيات بشأنها للحكومة، وتوجيه أسئلة لرئيس الوزراء أو للوزراء كل في اختصاصه، والفصل في الشكاوى المقدمة من المواطنين ضد جهات حكومية اتحادية، وتعتبر هذه المهام تكليفًا قبل أن تكون تشريفًا لكل شخص يمثّل الشعب تحت قبة المجلس، ويُقسم بالعمل بإخلاص من أجل المصلحة العامة، وتمثيل وخدمة الشعب بكل تفانٍ.
والمجلس وثقافة الانتخابات هي عملية تعليم مستمر، والتدرّج العقلاني في العملية السياسية، وخلق توازن ووعي سياسي يحتاج لوقت طويل لكون طابع التكتلات القبلية يغلب على المجتمع وبالتالي الانتخابات، وحتى تصل المنظومة للنضج الكافي وتصبح من عوامل البناء والتنمية ولا تقف كعائق دون تحقيق الدولة لمصالحها وغاياتها الوطنية. فلابد من مساهمة المؤسسات الحكومية ككل في تنمية الحس الانتخابي وضرورة المشاركة الشعبية الموضوعية، وأن يدرب الطفل الصغير في المدرسة على ممارسة الطقوس السياسية المتبعة في الدولة من سن مبكر، ويكون للإعلام والمؤثرين في المجتمع دور أكبر وفاعل، وأن تكون التغطية الإعلامية بحجم الحدث.
ومن جانب آخر، وبالرغم من أهمية من يمثّلنا في المجلس، تجد البعض يتشدّق من منطلق قلة الإدراك وسوء فهمه للمواطنة الحقيقية، ويجاهر بتشجيع بناء سد وحيز جغرافي وقبلي ضيق، ولدرجة قد تجد فيها من يدعو للتصويت للمرشحين على أسس مناطقية، أو غيرها من الأسباب التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإماراتية، التي تؤكد بأن «البيت متوحّد» والوطن للجميع والكل فيه سواسية، والتشجيع على التحزّب المناطقي لا يمثلّنا كشعب يمثل أسرة متماسكة.
ونحن كدولة لم نحتل المراكز الأولى على مستوى العالم في العديد من المجالات دون دليل وبرهان وواقع ميداني، بل إن النموذج الإماراتي أحرز نجاحاً ملموساً على جميع الأصعدة والمستويات، وبالتالي تقع على عاتق من فاز في العرس الانتخابي أن ينزل للشارع ويلامس هموم وتحديات المواطن وينقل الصورة الحقيقة لما يدور في المجتمع للقيادة العليا والمؤسسات المختصة في الدولة ويقترح الحلول والبدائل.
ومن هذا المنطلق وفي عصر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، بالإمكان نقل جلسات المجلس إعلامياً بصورة مباشرة للجميع، أو ابتكار نظام ذكي يجعل كل مواطن جزءاً من المجلس، ويساهم في التصويت على القضايا الحيوية، التي يطرحها أعضاء المجلس، ويحق له طرح الثقة في أي عضو لا يوفي بعهوده الانتخابية ولا يلبي تطلعات الشعب، لذلك يجب أن يكون هناك نظام قياس أداء وأثر لكل عضو في المجلس يمثل نبض الشارع الإماراتي.
فما أجمل أن يلتف المواطنون حول وطنهم على الدوام، ويعبروا عن حبهم له من خلال قنوات عديدة، وأنماط ومظاهر كثيرة تعكس التلاحم والتجانس بين المواطن والقيادة والأرض.
ونحن كدولة أصبحنا محطّ أنظار العالم أجمع من خلال الإنجازات غير المسبوقة التي نسمع بها طوال العام، ولا يكاد يمر شهر إلّا ونسمع عن تحقيق سبق جديد يسجّل باسم دولة الإمارات، ودولة لديها رواد فضاء وتعمل على الوصول للمريخ، تستحق أن يكرّمها شعبها بالارتقاء في سقف الأداء والنتائج والسلوك الذي يليق بوطن متميز،. وجدير بالمجلس ومستهدفاته ومخرجاته أن تندرج ضمن مكونات الاستراتيجيات الوطنية للابتكار والتفوق النوعي، وأن بدأت رحلة الألف ميل منذ أول جلسة للمجلس في سنة 1972، فمن المهم في وقتنا الحاضر أن نثبت للعالم أن نموذجنا البرلماني ضمن التجارب العالمية الرائدة، وهي مسألة تضع مسؤولية مضاعفة على أعضاء المجلس لمواكبة سير تسارع الحكومة في سباق التفرد والريادة. ورسالتي لمن يعتقد أن المواطن في إمارة معينة، ناهيك عن نفس المدينة، لا يحمل الهم الوطني نفسه، وأن صوت المواطن في كل إمارة ومدينة وحي لا يعبر عن الرهان نفسه، هو أنه مغيب وواهم، فكلنا أبناء زايد والغرس والحرص واحد على مصلحة المجتمع.