«التوطين أولوية اقتصادية واجتماعية وأمنية.. وهذه حقيقة لا بد أن يستوعبها الجميع»، تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تثبت مجدداً مدى الاهتمام الذي توليه قيادة دولة الإمارات لملف التوطين، والذي تم تتويجه مؤخراً بإصدار عشرة قرارات استراتيجية، تضع خريطة الطريق أمام المواطن ووزارة الموارد البشرية والتوطين والجهات المستهدفة بالتوطين. ولعله من الأجدر تبيان أمر في غاية الأهمية، ألا وهو أن إجراءات التوطين ليست بالأمر الجديد الذي تختص به دولة الإمارات، بل هو ملف يتسم بأهمية استراتيجية كبرى لدى عدة دول عربية أخرى في منطقة الخليج العربي، تضم المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وسلطنة عُمان ومملكة البحرين، وجميع تلك الدول تطبق وتُقيم سياسة توطين الوظائف لديها، بما يحقق مصلحة المواطن واستقراره الاجتماعي والاقتصادي، لكي يساهم في عجلة التنمية في مختلف مواقع العمل الحكومي والخاص. ولذلك ليس من المستغرب أن تقوم حكومة دولة الإمارات بمراقبة تطورات سوق العمل، ومدى فعالية إجراءات التوطين بصورة دورية، ثم تبادر في الوقت المناسب بإصدار القرارات الاستراتيجية، التي تلبي احتياجات سوق العمل من المواطنين في الوقت الحالي والمستقبل.
والملاحظ، أن قرارات التوطين الاستراتيجية، التي صدرت مؤخراً، اتسمت بالتنوع والشمولية والشفافية والدقة، لتغطي العديد من الجوانب، وتلبي تساؤلات المواطنين في مجال الحصول على الوظيفة المناسبة. وتضم تلك القرارات: توفير 20 ألف وظيفة في قطاعات البنوك والطيران والاتصالات والتأمين والقطاع العقاري، وإنشاء صندوق بقيمة 300 مليون درهم لتدريب وتأهيل الباحثين عن عمل، بجانب تخصيص جزء من عوائد ضريبة القيمة المضافة لدعم برامج التوطين، وتأسيس منظومة جديدة لتدريب 8000 مواطن سنوياً في القطاع الخاص، بمكافآت شهرية مدعومة من الحكومة، وإجراء تعديلات قانونية لقانوني العمل والمعاشات للمساواة في الامتيازات بين العاملين في القطاع الخاص والقطاع العام والقطاع شبه الحكومي، وذلك في آلية احتساب المعاش التقاعدي وضم الخدمة، لدعم عمل المواطنين في القطاع الخاص. أضف إلى ذلك، اقتصار التعيينات في الوظائف الإدارية والإشرافية والخدمات المساندة في القطاع الحكومي على المواطنين، وتحديد 160 وظيفة في القطاع الخاص تكون الأولوية فيها للمواطنين، بجانب إلزام الجهات المتأخرة في تحقيق نسب التوطين بالمساهمة مع الحكومة مالياً في برامج التوطين، وإصدار مؤشر سنوي للتوطين لقياس وتقييم حجم الالتزام بقرارات ملف التوطين في كافة القطاعات، وأخيراً تكريم الشخصيات الفاعلة في المجالات الاقتصادية التي تدعم ملف التوطين، ومنحهم حوافز حكومية استثنائية.
ولعل ما يبعث على الارتياح، هو رؤية بعض المقترحات الخاصة بالتوطين، التي سبق لي عرضها قبل ثلاث سنوات ونصف تقريباً في هذا المنبر، وتحديداً في شهر مارس 2016 قيد التنفيذ حالياً، ضمن حزمة القرارات الحكومية الاستراتيجية، وهي إصدار مؤشر التوطين، وتحديد الوظائف المراد توطينها في القطاع الخاص كمرحلة أولى، بجانب منح الجهات المتعاونة في مجال التوطين حوافز حكومية استثنائية. ولذلك، فإن الأمل ما زال قائماً لدراسة بعض المقترحات الأخرى التي سبق نشرها أيضاً، وتضم على سبيل المثال: ضرورة التنسيق المستمر بين وزارتي التربية والتعليم والموارد البشرية والتوطين لضمان ملاءمة مخرجات التعليم من مناهج وخريجين مع احتياجات سوق العمل، بجانب إعداد وإصدار تقارير إحصائية دورية عن أوضاع المواطنين في القطاع الخاص، أسوة بما تنشره وزارة الموارد البشرية والتوطين عن الجنسيات الأخرى في مختلف وظائف سوق العمل، وبالتالي تتحقق مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي قال: «أصدرنا 10 قرارات لدعم التوطين.. والملف سيبقى حياً.. ولو احتجنا لـ 100 قرار جديد لدعم الملف لن نتردد».