أول سؤال طرأ في ذهني- بعد قراءة نسخة البيت الأبيض من مكالمة يوم 25 يوليو الماضي التي ضغط فيها الرئيس ترامب على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كي يتدخل الأخير في الانتخابات الأميركية- هو: كيف استطاعوا نشر هذا؟ وأعلن ترامب قائلاً «تبين أنها مكالمة بلا أهمية». لقد وصفها أيضاً بأنها «جميلة» و«مثالية»، وطلب اعتذاراً من منتقديه!
هذه ليست «مكالمة بلا أهمية». وهذا الموقف لا يريح ضمير أحد. وهذا ليس «جميلاً» و«مثالياً». والتسريب يظهر أن هناك شخصاً واحداً على الأقل في البيت الأبيض يعرف ما يعنيه الحنث باليمين لتولي المنصب وكان لا يطيق هذا. وتحدث المسرب عن محاولة «حجب» أدلة خطيرة تدين ترامب. لكن الطريق الخطرة سياسياً لتوجيه الاتهام لترامب تبدأ وتنتهي بكلمات تعكس التحايل على القانون والالتفاف حوله.
القضية ضد ترامب واضحة. ترامب نفسه يمثل الدليل، كما قال ذلك السيناتور الديمقراطي «براميلا جايابال». وعلى أفضل الأحوال، وبحسب مذكرة البيت الأبيض، فقد تحدث الرئيس الأميركي هاتفياً مع زعيم أجنبي ليدفعه إلى التحقيق مع واحد من أبرز المنافسين السياسيين له بينما يمنع ترامب نحو 400 مليون دولار من المساعدات للزعيم المحاصر لهذا البلد. وترامب ينظر إلى هذا باعتباره ليس أمراً ذا شأن.
ورؤيته لا تختلف عن رؤية ريتشارد نيكسون الذي اشتهر عنه قوله «حين يفعل الرئيس شيئاً ما فهذا يعني أنه قانوني». لكن في حالة ترامب، الصواب يتعلق بشخصه وليس بالمنصب الكبير الذي يشغله. إنه شعار حياة. وهناك شيء آخر عن نيكسون: كان نيكسون يعرف ما يعنيه الحنث باليمين على الأقل ما يكفي ليمانع في نشر الأدلة التي تدينه وهي الأشرطة التي ورطته وأنهت رئاسته. أما ترامب، فهو يرى أن «النازيين الجدد» أناس لطفاء للغاية، وأن المناخ جيد حسبما يرى.
وما أن شعر أن بوسعه الإفلات من محاولة عرقلة التحقيقات في التدخل الروسي- في اليوم التالي لشهادة روبرت مولر في الكونجرس- حتى حث ترامب أوكرانيا على التدخل في الانتخابات الأميركية. ولا نزاع في هذا، بحسب النص الذي نشره البيت الأبيض. ولم يعد أمام «الديمقراطيين» خيار، حتى إذا كلفهم هذا الرئاسة. فلا يمكنهم التعامي عن مسؤوليتهم الدستورية، وعليهم التحرك ضد ترامب وفقاً لمعايير الصواب في هذه القضية.
والحجة على ضرورة أداء الواجب أقامها بأقصى درجة من القوة مقال رأي نشرته «واشنطن بوست» شارك فيه سبعة «ديمقراطيين» من مناطق متأرجحة الولاء بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» وجميع المشاركين في كتابة المقال لديهم خبرة الجيش أو في الأمن القومي وكانوا يعارضون من قبل توجيه الاتهام إلى الرئيس. وجميعهم جدد في مناصبهم ومعرضون لفقدانها. وكتبوا يقولون «هذه المزاعم تمثل تهديداً لكل ما حلفنا على حمايته». لنجعلهم وجه الحزب «الديمقراطي» أثناء توجيه الاتهام. ودع مجلس الشيوخ الذي يديره «الجمهوريون» وهو مقبرة المبادئ يتمسك بالدفاع عن رئيس بلا قانون.
يجب ألا ينتظر الناس كشفاً كبيراً كي يتخلى «الجمهوريون» عن مشاركتهم في مؤامرة مع الرئيس الحالي. وكان السناتور «الجمهوري» ليندسي جراهام قد ذكر أن «توجيه الاتهام إلى أي رئيس بشأن مكالمة هاتفية مثل هذه سيكون جنوناً». لكن في السنوات التالية، سيتم تذكر جراهام- إذا تذكره أحد أصلا- باعتباره سياسياً ضعيفاً أمام شخص وصفه من قبل بأنه «غير ملائم للمنصب»، لكن الذين «يحركهم روح التاريخ للحفاظ على سلامة أمتنا وحمايتها»، مثل السناتور جون لويس لن ينساهم أحد. فقد أدركوا أن الدستور لا يستطيع حماية نفسه.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/09/27/opinion/trump-ukraine-call.html