«السيطرة على الدولة» هو شكل من أشكال الفساد، حيث تمتلك شركات خاصة نفوذاً غير عادي على الدولة: ذلك أنها تستخدم مالها لـ«شراء» أجزاء كاملة من الجهاز البيروقراطي لضمان أن القوانين والتنظيمات تلائم احتياجاتها، وهذا تعبير اخترعه البنك الدولي لوصف بعض الاقتصاديات في عالم ما بعد الاتحاد السوفييتي.
أما «السيطرة الاستبدادية» – وهي عبارة جديدة ابتكرها «إيان بيسن»، المحامي ومدير منظمة «احموا الديمقراطية» – فهي شيء يشبه نقيض ذلك. إنها شكل من أشكال الفساد، حيث يمتلك السياسيون تأثيراً غير عادي على الشركات الخاصة، إذ يستخدمون السلطة الحكومية لممارسة الضغط على رجال الأعمال وإرغامهم، أو موظفيهم، على اتباع خط سياسي معين.
المصطلح يصف، على سبيل المثال، كيف تحرم بعض البلدان رجالَ الأعمال لديهم علاقة بسياسيي المعارضة، أو الذين يموّلون وسائل إعلام مستقلة، أو الذين يتحدثون بحرية ومن دون خوف، من التراخيص أو العقود. والعام الماضي، رأيت بعيني رجال أعمال بولنديين، وهم ينسحبون من أي علاقة مع سياسيين أو حياة سياسية، خشية الانتقام من قبل تيارات غير ليبرالية نافذة تمارس، على نحو متزايد، «السيطرة الاستبدادية» أيضاً.
والواقع أنني أشك كثيراً أن يكون الرئيس ترامب يكترث كثيراً لكيفية اشتغال السياسة أو التجارة في تركيا أو بولندا مثلاً. غير أن تلك هي السياسة التي يتبعها. فقد رأينا محاولته الأولى لاستخدام السلطة السياسية من أجل إضعاف شركة في ربيع 2018، عندما قام، بعد أن استبد به الغضب من صحيفة «واشنطن بوست»، بمهاجمة مالكها «جيف بيزوس»، وهدّد بجعل «هيئة البريد» تعاقب الشركة التي أسسها ويرأسها «بيزوس»، «أمازون». بل إنه ذهب إلى حد إصدار أمر تنفيذي يهدف إلى فعل ذلك تحديداً – وبسببه تراجعت رأسملة «أمازون» السوقية في مرحلة من المرحلة.
كما رأينا ذلك من جديد في سبتمبر 2018، عندما أطلق ترامب سلسلة من التغريدات على تويتر تهاجم قناة «إن بي سي نيوز» وتطالب بإلغاء ترخيصها – وهو شيء لا يملك السلطة لفعله في الحقيقة – رغم أن التهديد كان كافياً، في الواقع، لخلق مشاعر ضيق وعدم ارتياح بين مديري القنوات التلفزيونية. ثم فعل ذلك من جديد قبل بضعة أيام، عندما عبّر في تغريدة على «تويتر» عن تأييده لاستثمار كبير في شركة «إي تي آند تي»، التي تمتلك الشركة الأم لقناة «سي. إن إن». وقد نفى بشدة متحدثٌ باسم الجهة المستثمرة، «إيليوت ماناجمنت»، أي دوافع سياسية؛ كما أن مديرها بول سينجر، وإن كان من المتبرعين للحزب «الجمهوري»، لا تربطه أي علاقة وثيقة بترامب. غير أن ترامب عبّر عن رغبته في أن تكبح الشركة «سي إن إن» و«تضع حداً لكل الأخبار الكاذبة التي تصدر عن مذيعيها المفتقرين للمصداقية».
وحتى الآن، كانت هذه الأنواع من التهديدات وتغريدات «تويتر» الغاضبة موجهةً في الغالب ضد شركات إعلامية يكتب موظفوها عن الرئيس. ولكن آخرين يتابعون ما يجري أيضاً. وقبل بضعة أيام بعثت مجموعة من المديرين التنفيذيين – من شركات مثل «ليفي ستراوس»، و«غاب»، و«تويتر»، و«أوبر» – برسالة إلى زعماء مجلس الشيوخ يدعون فيها إلى توسيع عمليات التحقق من خلفية الأشخاص الراغبين في اقتناء أسلحة. وقد لفت مقال لصحيفة «نيويورك تايمز» حول هذه الرسالة إلى غياب عدد من المديرين التنفيذيين البارزين الذين تخضع شركاتهم، أو يمكن أن تخضع، للتقنين الحكومي. ووفق «نيويورك تايمز»، فإن المدير التنفيذي لـ«فيسبوك» مارك زوكربرغ لم يوقع الرسالة، رغم أنه يتفق مع محتواها، بسبب خوفه من أن يركز ذلك انتباهاً سياسياً على شركته. واتخذت «جوجل» القرار نفسه، رغم أن إطلاق نار جماعي حدث العام الماضي في «يوتيوب»، وهي شركة تمتلكها «جوجل».
ورغم أن هذه حوادث صغيرة، فإن «بيسن»، الذي رفعت منظمته عدداً من الدعاوى القضائية الرامية إلى تطبيق المعايير الديمقراطية، يخشى أن يكون هذا مؤشراً سيئاً وأن الخوف السياسي يمكن أن ينتشر.. فكم نحن بعيدون عن اللحظة التي يشعر فيها المدير التنفيذي لشركة بأن عليه أن يشيد بترامب بشكل علني – أو خاص – من أجل الحصول على ترخيص مهم أو قانون أفضل؟ وكم نحن بعيدون عن اللحظة التي يتجنب فيه المديرون التنفيذيون الارتباط بالسياسيين «الديمقراطيين» خشية أن يؤذي ذلك مالية شركاتهم؟
إن أميركيين كثيرين، وخاصة من «الجمهوريين»، لطالما عارضوا تأميم الصناعات والشركات على نحو ما هو شائع في أوروبا. وبدلاً من ذلك، كانوا يفتخرون بالالتزام الأميركي تجاه الحرية السياسية والاقتصادية. فكم هو مثير للحزن، أن يعمل رئيس «جمهوري» على إضعاف الاثنين اليوم!
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»