في فيلم «تشتيت الانتباه» (Wag the Dog) الكوميدي الأسود لعام 1997، يخترع مستشار سياسي بلا ضمير (يلعب دوره الممثل روبرت دي نيرو) حربا أميركية مع ألبانيا من أجل صرف الانتباه عن فضيحة للبيت الأبيض. وحين سئل: «لماذا ألبانيا؟»، كان جوابه: «ولما لا؟»، مضيفا: «ما الذي فعلوه من أجلنا؟».
ويمكن القول اليوم إن أوكرانيا هي ألبانيا الجديدة. ف«الديمقراطيون» يستخدمون هذه البلاد البعيدة كأداة في حملتهم الرامية لعزل الرئيس دونالد ترامب. ولكن الفضيحة للأسف يمكن أن تحبط جهود البلاد الفعلية لإنهاء حرب حقيقية مع روسيا – هدف كان الزعيم الجديد لأوكرانيا يعوّل على الولايات المتحدة لتساعده على تحقيقه.
فمنذ ما قبل انتخابه في أبريل الماضي، أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أنه يريد من الولايات المتحدة أن تساعد في جهود وساطة ورعاية مفاوضات حول إنهاء الأعمال الحربية في شرق أوكرانيا، حيث يسيطر الانفصاليون على قطاع واسع من الأراضي. إذ يرى أن الولايات المتحدة أكثر تعاطفاً مع أوكرانيا من فرنسا وألمانيا، اللتين اقترحتا حتى الآن تنازلات من السهل أكثر على روسيا قبولها. وعلى سبيل المثال، يشدد الأميركيون على ضرورة أن تكون لأوكرانيا سيطرة كاملة على حدودها الشرقية قبل إجراء أي انتخابات في المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين. كما أن تدخلها يمكن أن يمنع الأوروبيين من التساهل مع روسيا فقط من أجل التخلص من مشكلة لا يريدونها.
ولكن أوكرانيا تأمل في حماية غربية أيضاً. فقبل زيارة زيلينسكي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع، قال أحد مساعديه إن الرئيس الأوكراني يرغب في التفاوض حول «مذكرة بودابيست ثانية» – في إشارة إلى الوثيقة التي وقعتها الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة في 1994 لضمان أمن أوكرانيا مقابل قبولها التخلي عن الأسلحة النووية. الوثيقة الأصلية غير الملزمة لم تحل دون ضم روسيا للقرم من أوكرانيا في 2014 ودعم حركة التمرد في شرق أوكرانيا. وهذه المرة، تكمن الفكرة في الحصول على عدد أكبر من الموقّعين – مثل الصين وفرنسا وألمانيا – قصد الحصول على ضمانة قانونية على سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، اتفاقية ستتوج عملية السلام وتستبعد أي هجمات روسية أخرى.
زيلينسكي، الذي التقى مع ترامب الأربعاء الماضي، يحاول الحفاظ على علاقة جيدة مع جانبي الانقسام السياسي الأميركي. فجوابا على سؤال صحافي روسي في نيويورك حول ما إن كان ترامب قد ضغط عليه من أجل البحث عن معلومات ضارة بجو بايدن، قال زيلينسكي إن الشخص الوحيد الذي يستطيع الضغط عليه هو ابنه ذي الست سنوات – جواب لا شك أنه سيعجب ترامب. كما رفض استفزاز «الديمقراطيين» من خلال فتح أي تحقيق رسمي مع بايدن وابنه هانتر.
ولكن الحصول على دعم أميركي لمشروعه الأول في السياسة الخارجية – أي إنهاء الحرب في الشرق عبر تشكيل ائتلاف دولي واسع – ربما يتجاوز قدرات زيلينسكي الآن. وكذلك الحال بالنسبة لمخطط المذكرة المثالي. ذلك أن أي شيء7 يفعله ترامب لأوكرانيا سيُنظر إليه على أنه نوع من الصفقات، وسيُشتبه في أن زيلينسكي سيقدّم شيئاً ما كمقابل له.
الآن السؤال هو ما إن كان زيلينسكي سيفعل شيئا من أجل ترامب كمقابل للدعم الأميركي. ففي حال أخذت الولايات المتحدة فجأة تهتم أكثر بمساعدة أوكرانيا على التفاوض بشأن اتفاق سلام مع روسيا، سيتساءل «الديمقراطيون» ووسائل الإعلام الأميركية على نحو لا مفر منه حول الشيء الذي قد يكون زيلينسكي وعد به كمقابل، وخاصة أنه سبق للرئيس الأميركي أن عبّر علانية عن تفضيله لأن يتولى الأوروبيون الزعامة بخصوص أزمة أوكرانيا.
ولهذا، فمن المرجح أن تتسبب التجاذبات السياسية الداخلية الأميركية في تجميد أي مشاركة أميركية نشطة في حل الأزمة الأوكرانية، تماما مثلما تسببت في تجميد العلاقات الأميركية- الروسية خلال فضيحة ترامب- روسيا. فخلال تلك الفضيحة («روسيا غيت»)، توخى ترامب الحذر وحرص على ألا تكون له علاقة بروسيا قدر الإمكان. ومن جانبها، ستجعل فضيحة «أوكرانيا غيت» من الصعب على ترامب أيضاً الانخراط مع أوكرانيا، أو مع شركاء أوروبيين بشأن أوكرانيا.
الاجتماع المقبل لزعماء أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا من المحتمل أن يعقد في الأسابيع المقبلة. وسيتعين على «زيلينسكي» أن يشارك فيه وهو يعلم أن الولايات المتحدة لا يمكن التعويل عليها طلية جلسات العزل، وربما حتى بعد انتخابات 2020 الرئاسية. وكل استراتيجيته لمحاولة توسيع العملية باتت محل شك الآن. وهذا سيغري الرئيس الأوكراني بإطالة أمد المحادثات، حيث سيوافق على خطوات صغيرة مثل تبادل الأسرى وعمليات انسحاب عسكري، إلى أن يستطيع إجراء حوار جوهري مع البيت الأبيض من جديد.
وأعتقد أن هذا يُقلق «بايدن»، الذي لم يقنع ابنه بالامتناع عن قبول مبالغ مالية كبيرة من شركة أوكرانية ذات علاقات سياسية تخضع للتحقيق حاليا للاشتباه في تورطها في غسيل أموال. كما أعتقد أنه يُقلق ترامب، المنشغل كليا بمعركة العزل الآن. ولكن بالنسبة لملايين الأشخاص العالقين في جحيم «الجمهوريات الشعبية» الانفصالية في شرق أوكرانيا، يمكن القول إن ما يستطيع زيلينسكي فعله من أجل صنع السلام أهم مِن مَن سيفور في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة(ترامب أو بايدن). مؤسف أن المشهد السياسي الداخلي الأميركي على وشك تمديد معاناتهم وحالة عدم يقينهم!
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»