هناك جهل وعدم استيعاب لدى البعض للمشروع الذي تتبناه دولة الإمارات العربية المتحدة، انطلاقاً من عام التسامح، الذي ركز على هذه القيمة الحضارية وتجلياتها في مجتمعنا المنفتح. وعلى خلفية انعقاد «المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية»، الذي استضافته الإمارات في بداية العام الجاري. وتتويجاً لذلك الحدث، تم اتخاذ قرار بإنشاء «بيت العائلة الإبراهيمية»، ويتضمن مسجداً وكنيسة إلى جانب أول معبد يهودي رسمي في الإمارات.
نحن نتحدث عن الديانات السماوية الثلاث التي تتعايش عملياً منذ قرون في الحضارة الإنسانية القائمة، ويجب أن نكون جزءاً من العالم، لنقدم مساهمة في السلوك الإنساني المعاصر. ويكفي أن صورة العالم الإسلامي في العقود الأخيرة صارت سوداوية، وخاصة بعد أن تسبب التطرف والإرهاب والتشدد في نشر الإسلاموفوبيا في الغرب. فلماذا لا يتم احتساب جهود الإمارات في إطار التخفيف من الكراهية التي أصبحت منتشرة ضد الإسلام، نتيجة للمتطرفين وأعمالهم الإرهابية التي لا تمثل الإسلام والمجتمعات الإسلامية.
إن مبادرة بناء دور العبادة الممثلة للأديان السماوية الإبراهيمية الثلاث تأتي كذلك ضمن ما دعت إليه «وثيقة الأخوة الإنسانية»، التي تم إطلاقها من الإمارات، وقام بالتوقيع عليها بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر في أبوظبي في فبراير 2019، ومن أبرز ما جاء فيها الدعوة إلى التوفيق بين الناس من جميع الأديان وحسن النية في خدمة السلام العالمي. وبذلك يمكن اعتبار مشروع «بيت العائلة الإبراهيمية» في العاصمة أبوظبي رمزاً للتسامح، ولا نخجل عندما نقول: نعم سنبني معبداً لليهود إلى جانب المسجد والكنيسة، فهذا تكريم رمزي للديانات السماوية الثلاث. ولا صلة له بـ«تهمة التطبيع» التي أصبحت ورقة بائسة يتم تحريكها والتلويح بها من قبل الإعلام الحاقد.
ومن المنطقي أن الثقافة الإسلامية والإنسانية بشكل عام لا تجعلنا ضد اليهودية كديانة، أما من يربطون بين اليهودية وبين الصهيونية فهذا خلط متعمد من قبلهم، القصد منه التشويش على مبادرة الإمارات. وخاصة بعد أن أصبح توظيف الاتهام بالتطبيع موضةً سائدة ومستخدمة من أجل المكايدة. ومن لا يزال بحاجة إلى دروس في الفرق بين الديانة اليهودية وبين الصهيونية فننصحه بالإطلاع حتى لا يبقى ضحية للجهل، لأن اليهودية ديانة بينما الصهيونية حركة سياسية عنصرية، تقوم على نهج الاحتلال المرفوض.
من جهة أخرى يتطوع البعض للحديث نيابة عن المجتمع الإماراتي، المحافظ على عقيدته وتقاليده، وهؤلاء نقول لهم إن حملات التبشير في الإمارات قبل ما يقرب من 200 عام لم تثمر شيئاً رغم محاولات المبشرين تقديم إغراءات للسكان في بداية القرن التاسع عشر، ولم ينجح أي مبشر في تنصير أحد من السكان، لأن العقيدة الدينية كانت مترسخة لدى أجدادنا رغم الظروف القاسية والفقر والأمية. وفي هذا العصر ما يزال الإماراتيون بأجيالهم الحالية يتمسكون بعقيدتهم وتقاليدهم. ومن هذه الزاوية ننظر إلى مشروع بيت العائلة الإبراهيمية باعتباره دليل ثقة في دورنا الحضاري وتسامحنا.
ومؤخراً تم إصدار ترخيص لدور العبادة غير المخصصة للمسلمين، وهذا دليل على تقبل الإمارات للتنوع الثقافي الذي يميز النسيج البشري للمقيمين على أرضها. وفي النهاية يجب علينا استيعاب الدرس في هذا العصر، لأن التقوقع وعدم القبول بالآخر يولِّد المزيد من التطرف، فالعقيدة تندرج ضمن خصوصيات الإنسان واحتياجاته الروحية، بشرط عدم المساس بعقائد الآخرين من حوله.
ويحق لنا الفخر بأن الإمارات أول بلد في المنطقة يضم «بيت العائلة الإبراهيمي» الذي يحتوي على أماكن العبادة للأديان السماوية الثلاث في مجمع واحد، ليصبح رمزاً للتسامح والتعايش والحوار الإنساني الإيجابي في لحظة زمنية يتجه فيها العالم نحو الصراعات غير المجدية.
وفي زمن انتشار الفكر الشعبوي والترويج للصراعات الدينية وحروب الثقافات، تطلق الإمارات مبادرتها الحضارية التي لم تسبب صدمة إلا للمتطرفين والعاجزين عن استيعاب هذا المشروع. أما بالنسبة لمن يقحمون موضوع التطبيع في غير مكانه، فنقول لهم إن دولة الإمارات هي من يتكفل بتمويل البناء والإنفاق على دور العبادة الرمزية الثلاث في البيت الإبراهيمي، وليس إسرائيل.

*كاتب إماراتي