استمع أحياناً إلى تحليلات سياسية عن طبيعة العلاقات الخليجية- الأميركية من أساتذة أفاضل ومتخصصين في السياسة الدولية.
يشوب بعض هذه التحليلات شيء من التبسيط والسطحية لأنها مبنية على العامل الأحادي وقد لاحظنا ذلك عندما تعرض بعض منشآت «أرامكو» للاعتداءات الغاشمة. لحق ذلك تصريح لترامب مفاده أن أميركا لم تعد بحاجة إلى نفط الخليج، وأن لديها مخزوناً يكفي الداخل الأميركي وللتصدير كذلك.
سارع البعض للقول بأن أميركا ستغير نمط علاقتها بالسعودية وكأن علاقاتهما وليدة ساعة اكتشاف النفط، فإذا انتهى عهده قطعت العلاقة النفعية أو المصلحية. فلو صح هذا الطرح لما استمرت علاقة أي دولة بأخرى لسنوات فضلا عن عقود.
ليست هناك علاقة بين دولتين على مدى التاريخ تستمر على طول الخط بصفة مستقرة، فالصعود والنزول والشد والجذب جزء من عملية الحراك السياسي وهو أمر واقع، والأهم من ذلك هو تفادي الصدام الذي يؤدي إلى مواجهة عسكرية من أجل تحقيق مصلحة آنية.
فأي عامل أحادي لا يُعول عليه في العلاقات الدولية، حتى مع كوريا الشمالية والتي توصف بـ«المارقة» والتي تتم مقاطعتها من قبل معظم دول العالم وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة نفسها، فقد ذهب إليها ترامب بنفسه لماذا، هذا مع الفارق الكبير بين مصالح أميركا مع الخليج ومصالحها مع كوريا الشمالية.
نأتي إلى نقطة مهمة في حقيقة الاهتمام بالنفط الخليجي، وهي تتعلق بمعادلة الأسعار المناسبة للسوق العالمية التي يتأثر بها الاقتصاد العالمي وكذلك معه الفرد في أي مكان يستخدم فيه النفط ومشتقاته لتدبير شؤون حياته، فتقلبات الأسعار يعني تقلبات حادة في أمزجة الناس وقوتهم الشرائية. الخليج معبر آمن إلى العالم أجمع، فالأمن والاستقرار فيه مطلب دولي وليس هدفاً لأميركا وحدها، وأي إخلال به اختلال في منظومة السلم والاستقرار على وجه الأرض.
ما يجري اليوم من حرب الناقلات في البحار المحيطة بالخليج العربي سواء في بحر العرب أو مضيق هرمز أو باب المندب، أي في هذه السلسلة الذهبية من المياه الإقليمية، بحاجة إلى منظومة أمنية شاملة، لضمان ملاحة آمنة دون أن تسمح لدولة مثل إيران باللعب فيها بالنار.
فعندما دعت أميركا دول العالم إلى تشكيل تحالف دولي لمنع وقوع الاضطراب في المنظومة الأمنية للملاحة في هذه المنطقة الإستراتيجية، لم تتوان السعودية لحظة عن إعلانها الانضمام مباشرة للتحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية.
ويهدف هذا التحالف إلى حماية السفن التجارية بتوفير الإبحار الآمن لضمان حرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية وحماية لمصالح الدول المشاركة في التحالف، لتعزيز الأمن وسلامة السفن التجارية العابرة للممرات، وتغطي منطقة عمليات التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية في الخليج مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان والخليج العربي.
نعرج قليلاً نحو التاريخ لتأصيل نوع هذه العلاقة بين المملكة وأميركا كحليفين استراتيجيين منذ تولي الملك سعود، رحمه الله، زمام الأمور في المملكة والقيام بأول زيارة خارجية للولايات المتحدة الأميركية في 1962، وفي فترة رئاسة جون كنيدي.
أكثر من ستين عاماً من العلاقة المتواصلة بين الدولتين، في صورة أقرب إلى التحالف ليس من أجل النفط، بل للعبور نحو المستقبل بكل استحقاقاته.
في السياسة الحليف القوي يرفع من شأن الطرفين بالذات عند الشدائد والملمات، فقد تعرضت أميركا لذلك، وكانت السعودية في صف أميركا كيف؟! القصة باختصار شديد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كانت أميركا العظمى بلا منافس، وطلبت من جميع حلفائها اعتماد الدولار المثمن بالذهب في التبادل التجاري. فوافق الجميع إلا أن أميركا تخلت عن الذهب فانهارت العملة، فتوجهت إلى السعودية لمقايضة النفط بالدولار، فلم تمانع المملكة، فانتعش الاقتصاد الأميركي وعاد الدولار إلى قوته من قوة المملكة في وقت الحاجة، فهي اليوم أعظم من ذلك اليوم بالنسبة للعالم أجمع وليس مع الحليف الأقوى لها فقط.