اجتاحت السياسةَ الأميركية أزمةٌ خلال العقد الثاني من القرن العشرين. كثيرون أصبحت لديهم قناعة بأن النظام القديم فاسد وغير كفؤ، وباتوا يريدون تحولاً جذرياً. هذا المزاج اجتاح الحزب الجمهوري عام 2016، حين دمر دونالد ترامب مؤسسة الحزب الجمهوري، كما اجتاح الحزب الديمقراطي عام 2020.
في الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية عام 2020، كان جو بايدن يمثل مرشح التغيير الذي يبني تصاعدياً على ما تحقق، ومثلت اليزابيث وارين انفصالاً حاداً عن الماضي. كان بايدن هو المرشح الأوفر حظاً في الفوز لكنه كان هشاً. ولم يستطع أقوى الأشخاص أداء في المناظرات- مثل كوري بوكر وآمي كلوبتشار وبيت بيتيجيج ومايكل بينت- الحصول على أي زخم، لأن بايدن احتل المسار المعتدل. وانتصرت وارين على الشعبوي التقدمي الآخر بيرني ساندرز، لأنها امتلكت ما يفتقر إليه وهو الوعي بالذات. واستطاعت خوض حملة خففت من حدة ضعفها. وظل بايدن صامداً حتى استولت وارين على أيوا ونيوهامبشير. وكان بوسع بايدن أن يتعافى لكن الانتخابات الأولية في كاليفورنيا أجريت يوم الثلاثاء العظيم. وحين هيمنت وارين على معظم الولايات في ذالك اليوم، كان الأمر قد قضي.
والواقع أن درجة التأييد لشخصية وارين ظلت منخفضة. لكن الانتخابات كانت تتعلق بترامب وشخصيته وتصوره حول القومية العرقية البيضاء. انتصرت وارين وحقق الديمقراطيون أغلبية كبيرة في مجلس النواب وأغلبية صغيرة في مجلس الشيوخ، ليحصدوا 52 مقعداً مقابل 48 للجمهوريين. وبعد الانتخابات عانى الجمهوريون تراجعاً مطرداً.
واحتفلت الطبقة الأميركية المتعلمة بفوز وارين. وعند تعيين فريقها، استبعدت المحنكين من إدارتي كلينتون وأوباما وأتت بطاقم جديد من اليسار التقدمي. وانتهت النشوة حين حاولت وارين إقرار أولوياتها التشريعية، فسقطت مقترحاتها واحداً تلو الآخر في مجلس الشيوخ، مثل «ميديكير للجميع» ومجانية التعليم الجامعي وعدم تجريم عبور الحدود بغير تصريح وفرض ضريبة على الأثرياء. وحين حل ركود عام 2021 تفاقمت الأحوال، وأصبح لفشل رئاستين متتاليتين تأثير مدمر على الأميركيين، واتضح أن البلاد لديها ثلاثة ميول سياسية: الشعبوية المحافظة، الشعبوية التقدمية، والليبرالية المعتدلة.. ولا يستطيع أي منهم حشد أغلبية كافية لتحقيق أهدافه.
وقبل وارين كان الناس يعتقدون أن الليبراليين والتقدميين سيان عملياً، لكن بعد وارين اتضح أنهما مختلفان ولكل منهما قائمة أولويات مختلفة. فلدى الليبراليين المعتدلين إيمان أساسي بالمؤسسات الأميركية ويعتقدون أنها تحتاج إلى إصلاح فحسب. أما التقدميون فأقلّ إيماناً بكثير في المؤسسات الأميركية وبالرأسمالية والدستور. لقد دعوا إلى تغيير أكثر هيكلية لأمور مثل المحكمة العليا والمجمع الانتخابي وهياكل أساسية في السوق. ومثّلت للأميركيين انتخابات عام 2016 دليلا على أن العنصرية ملمح مهيمن على تاريخ بلادهم الذي بدأ عام 1619 مع وصول أول سفينة عبيد من أفريقيا إلى سواحل أميركا. ومع افتقار الجمهوريين للنفوذ، اشتد الخلاف داخل الحزب الديمقراطي، وأصبح التقدميون يكرهون الليبراليين المعتدلين أكثر مما كرهوا المحافظين. وحل الصراع قبيل الانتخابات التمهيدية الديمقراطية عام 2024. وفاز الليبراليون المعتدلون وتبين أن جماعات المهاجرين أصبحت حينها قوة كبيرة ومنظمة في السياسة الأميركية ولم يفقدوا الإيمان بالحلم الأميركي ولا بالرأسمالية. وبحلول عام 2030، انتهت الشعبوية التقدمية وشعبوية الجناح اليميني. وأصبح الديمقراطيون حزب أغلبية البلاد، فخاضوا حملة ببرنامج على أساس كلمة واحدة هي «الاتحاد». وبعد عقود من حروب الثقافة والطبقة والتوزيع السكاني، حدد الليبراليون المعتدلون أميركا كأمة تعددية تستوعب الجميع وتسعى لأن يحظى الجميع فيها بفرصة. وفي بلاد متنوعة الأعراق والثقافات بشكل كبير، أعطى الناخبون السلطة لزعماء يسعون لبناء ائتلافات وليس لزعماء يعلنون الحرب. وتغير فحوى السياسة الأميركية برمته.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/09/19/opinion/elizabeth-warren.html