شهدت منطقة الخليج خلال خمسين عاماً الماضية ثلاثة حروب كبيرة على الأقل؛ الحرب التي أعقبت غزو صدام حسين الكويت (1991)، وقبلها الحرب العراقية الإيرانية (1980 -1988)، وبعدهما معاً الغزو الأميركي للعراق (2003).. فكيف ستكون حرب الخليج الرابعة؟
التوتر في منطقة الخليج ليس جديداً، لكنه شهد الأيام الماضية نقلةً نوعيةً بسبب الهجوم على موقعين لشركة «أرامكو» في المملكة العربية السعودي، باستخدام 11 طائرة مسيرة و7 صواريخ كروز حلّقت على ارتفاع منخفض لتفادي الرادارات. لكن السعودية استطاعت إعادة الموقعين للعمل بسرعة، متداركةً سوق النفط العالمي حتى لا يصيبه الاختناق.
ورغم تناقص التصريحات، خاصة في واشنطن، فإن التطورات المتسارعة قد تدفع إلى التصادم، لكن في اعتقادي أن الحرب التقليدية لن تحدث هذه المرة في الخليج، رغم حرارة البركان الإقليمي؛ ذلك أن معظم الأطراف -أقول معظمهم وليس كلهم- لا يسعون للحرب. هناك بالطبع بعض التصريحات والتحركات التصعيدية (مثل احتجاز السفن وتهديد الناقلات، وإرسال الطائرات المسيرة..)، لكن لا يزال ثمة توجه عام نحو تجنب الصدام المسلح المباشر.
السبب الرئيسي لعدم حدوث الحرب التقليدية أن الفاعلين الرئيسيين لا يريدون هذا النوع من الحرب. وبالنسبة لأميركا، خاصة بعد إقالة بولتون، فإن ما تنشده ليس الصدام المسلح مع طهران، والذي سيفيد النظام الإيراني في اصطناع تلاحم داخلي لصالحه. كما أن الرأي العام الأميركي ليس مستعداً لمثل هذه الحرب بعد تجربتي التدخل في أفغانستان والعراق مطلع القرن الجاري. طهران أيضاً تعرف أنها إذا بادرت بالحرب، فستكون النتائج بالنسبة لنظامها كارثية، خاصة أنه سيبدو المبادر وليس «الضحية». يبقى الموقف الإسرائيلي، والذي أعلنه نتنياهو مراراً، وخلاصته أن اقتراب طهران من إنتاج الأسلحة النووية سيستدعي ضربها على الفور، وليست تصريحات نتنياهو بهذا الخصوص تصريحات انتخابية فقط، ولكن الموقف الإسرائيلي يعارض حيازة أي دولة في المنطقة للسلاح النووي، وقد ثبت هذا عدة مرات، منها تدمير المفاعل النووي العراقي، والهجمات المتكررة على مواقع يقال إنها «نووية» في سوريا.
السبب الرئيسي لعدم اندلاع الحرب التقليدية عبر الصدام المسلح المباشر، هو وجود حرب بديلة عنها تدعى الحرب الإلكترونية، والتي تسمح بالاختراق المعمق لأساسيات الخصم وتدمير إمكانياته عن طريق الفيروسات الإلكترونية، وإفشال كل خططه لإنتاج سلاح متطور، ومنع إطلاق صواريخه بحيث ترتد على قواته، بدلاً من أن تصيب أهدافها.
وبالإضافة إلى الحرب الإلكترونية التي ستصيب قدرات إيران العسكرية في مقتل، هناك أيضاً سلاح العقوبات الاقتصادية، والتي جعلت الاقتصاد الإيراني يعاني من تدهور سريع في جميع مؤشراته، لاسيما جراء صعوبة التصدير والاستيراد، مما زاد مصاعب الحياة اليومية للإيرانيين. ورغم إصرار طهران على المكابرة، فقد تكون التحديات أكبر من قدرتها على الصمود. ومن هنا قد تأتي اللحظة التي يتخلى فيها النظام الإيراني عن حذره، فيمارس «الهروب إلى الأمام»، أي الاندفاع نحو تصعيد يؤدي إلى الصدام المباشر، حتى ولو كانت الهزيمة العسكرية هي النتيجة. إن «الهروب إلى الأمام» في هذه الحالة هو الإلقاء بمسؤولية الأزمة والتصعيد على الخصم والظهور بمظهر «الضحية»!