يتوجه الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في محاولة لتهدئة الغضب الدولي بشأن الحرائق المستعرة في غابات الأمازون، مع التأكيد في الوقت نفسه على حق بلاده في تنمية غاباتها المطيرة بالطريقة التي تراها ملائمة. وحتى وقت قريب كان عدد صغير من الدول يتمتع بمثل هذا التعاطف واسع النطاق الذي تمتعت به البرازيل، بسبب تقاليدها في تعدد الأطراف، واتباعها دبلوماسية «القوة الناعمة»، ومهاراتها التي بلا نظير في كرة القدم، وجمالها الطبيعي الممتد على مساحات شاسعة. لكن بولسونارو سيخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء في غمرة استياء عالمي بشأن تعامل حكومته مع انحسار غطاء الغابات في الأمازون.
وتعتقد حكومة البرازيل أن الانتقادات الدولية غير عادلة، لكن تصرفاتها تظهر قلقها بما في ذلك خوفها من العواقب الاقتصادية المحتملة. وطالب مديرو صناديق مالية تقدر قيمتها بأكثر من 16 مليار دولار بالتحرك حيال انحسار غطاء الغابات، في الوقت الذي يحتشد فيه مشرعون أوروبيون لمهاجمة صفقة تجارية بين الاتحاد الأوروبي وتكتل «ميركوسور» التجاري لدول أميركا الجنوبية بزعامة البرازيل. ورفض برلمان النمسا الصفقة في الأيام القليلة الماضية. ورداً على هذا، دشنت إدارة بولسونارو حملة علاقات عامة تؤكد فيها سيادة البرازيل على الأمازون والتزامها بحماية واستدامة تنمية الغابة المطيرة. وها هو رئيس البلاد يحمل هذه الرسالة إلى الأمم المتحدة.
ويرى سيرجيو أمارال، الذي ظل يشغل منصب سفير البرازيل في واشنطن حتى وقت سابق من العام الجاري، أن «اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قد يكون فرصة عظيمة للبرازيل، كي تقدم وتوضح سياستها الخارجية». وأضاف أنها أيضاً فرصة لإظهار التزام البرازيل «بالقضايا الحساسة للمجتمع الدولي مثل البيئة». ويعتقد أمارال أن البرازيل فقدت سريعاً سمعتها التي اكتسبتها بشق الأنفس كزعيم دولي في مجال القضايا البيئية. وبخلاف رد فعل دول أو شركات معينة، ربما يبدأ مستهلكون أفراد في رفض المنتجات البرازيلية. وأكد أمارال أن «هذا التغير مروع للبلاد ولصورتها ولتصور المستهلكين عنها».
والسؤال مازال هو: كيف يستطيع بولسونارو تهدئة المخاوف بشأن انحسار غطاء الغابات مع تأكيد حق البرازيل في تنمية الأمازون؟ هناك أيضاً التوترات المحتملة إذا واجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أهان الزعيم البرازيلي زوجتَه. وأعلن بولسونارو في نشرته الأسبوعية المباشرة على «فيسبوك» في الأيام القليلة الماضية أنه يعد «كلمة موضوعية إلى حد كبير». وترى الحكومة البرازيلية أن الغضب الدولي لا يتناسب مع قدر الضرر البيئي. فقد أكد وزير الخارجية البرازيلي ارنستو أراوجو في مقابلة مطلع الشهر الجاري أن «هذا تم تضخيمه من الجماعات البرازيلية التي تعارض منهجياً الحكومة. إنهم يريدون استغلال أي شيء في متناولهم لمهاجمة الحكومة حتى ولو كان هذا يضر بالبلاد».
ويجادل وزير البيئة البرازيلي ريكاردو ساليس بأن سياسات التنمية لإدارة بولسونارو ألقت الضوء على مدى فشل الحكومات البرازيلية السابقة في دعم 20 مليون شخص يعيشون في منطقة الأمازون. ومضى يقول: «هذه أول حكومة تخوض مناقشة جادة بشأن كيفية تنمية الأمازون». وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية، أراوجو، والجنرال أوغسطو خيلينو وزير أمن المؤسسات وإدواردو بولسونارو، نجل الرئيس والمرشح لتولي منصب سفير البرازيل في واشنطن، يساعدون في إعداد مسودة خطبة الرئيس.
وقد يسعى بولسوناروا إلى التقليل من شأن التقارير بشأن الدمار البيئي، لكن كلمته لن تكون تلطيفية تماماً للأجواء على الأرجح، خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن بولسونارو مازال يتمتع بدعم الحكومة الأميركية في نهجه تجاه الأمازون. ومع الأخذ في الاعتبار أيضاً ميل الرئيس للتعبير عن رأيه بصراحة وحبه لمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، فلن تستمر النبرة الهادئة طويلاً على الأرجح. ومن الواضح أن الغضب بسبب حرائق الأمازون سيضر البرازيل. وكان ماكرون قد هدد قبيل قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في فرنسا مؤخراً بإلغاء الاتفاق التجاري بين ميركوسور والاتحاد الأوروبي بسبب ما وصفه بـ«أكاذيب» بولسونارو بشأن التزامه بالتصدي لتغير المناخ.
وعلقت شركة «في. إف» الأميركية، صاحبة العلامات التجارية «تيمبرلاند» و«كيبلينج باجز» و«نورث فيس»، مشترياتها من الجلود البرازيلية. وأكبر مستثمرين في النرويج حذرا الشركات العالمية من المشاركة في الضرر البيئي. كما ظهرت احتجاجات أمام السفارات البرازيلية. وأصدر مركز «فيتش سوليوشنز ماركو ريسيرش» للأبحاث الاقتصادية- المعروف سابقاً باسم «بي. إم. أي. ريسيرش»، تقريرين حذّر فيهما من تعرض البرازيل لـ«فحص متزايد»، كما حذر من «المخاطر الاقتصادية» التي قد تواجهها بعد الحرائق. وجاء في تقرير للمركز البحثي: «نؤمن بأن القلق الدولي بشأن انحسار غطاء الغابات في حوض الأمازون البرازيلي سيخلق رياحاً غير مواتية للطلب على التصدير وتدفقات الاستثمارات».
 
سايمون ايجليسياس وبروس دوجلاس*

*صحفيان متخصصان في شؤون أميركا اللاتينية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»