مع تسجيل روسيا تقدماً ملحوظاً في الصراع القائم في المنطقة، مقابل تراجع الولايات المتحدة، تمكنت موسكو من ترسيخ نفوذها السياسي والعسكري انطلاقاً من سوريا لحماية مصالحها الاقتصادية، لمدة 49 سنة قابلة للتمديد ل 100سنة، ويشمل توظيف استثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة (نفط وغاز وخطوط أنابيب). وامتدت استثماراتها إلى لبنان، إضافة إلى تحقيق خطوات متقدمة بعقد اتفاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية وصفقات أسلحة مع كل من إيران وتركيا، واستطاعت بذلك عرقلة تنفيذ عدة مشاريع أميركية.
لذلك تعتبر روسيا أهم حليف استراتيجي لسوريا التي أصبحت تمثل قاعدة مهمة لمصالح موسكو الاقتصادية والعسكرية، ويتجاوز حجم استثماراتها في المناطق السورية 20 مليار دولار. وتأتي إيران في المرتبة الثانية، وهي تكثف جهودها للحصول على أكبر حصة من خلال «تعاونها الاستراتيجي» مع دمشق، وتضمن مصالحها الاقتصادية باتفاقيات موثقة ومبرمة لفترة طويلة تزيد على 25 سنة، وربما تمتد إلى 50 سنة. ومقابل الوجود الشرعي والقانوني لهذين الحليفين، يبرز الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة، والذي تعتبره دمشق بمثابة احتلال واعتداء على السيادة السورية، لكن يبدو أن هذا الموقف لن يغير شيئاً من استراتيجية واشنطن في سيطرتها على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، خصوصاً منطقتي دير الزور والحسكة اللتين توجد فيهما آبار للنفط بطاقة تقدر ب 400 ألف برميل يومياً، إضافة إلى حقول لإنتاج الغاز، وذلك بدعم مستمر لمدة طويلة وغير محددة ل«قوات سوريا الديمقراطية».
من الطبيعي أن يساعد نفوذ روسيا واستثماراتها في سوربا على ضمان مصالحها في العراق حيث وقعت اتفاقاً لإعادة بناء خط كركوك بانياس، ويمتد إلى الساحل اللبناني لتشغيل واستثمار منشآت النفط في طرابلس، والذي التزمته شركة «روسنفت»، إضافة إلى حصة شركة «نوفاتيك» باستثمار البلوكين 4 في الشمال و9 في الجنوب، والأخير موضوع نزاع كبير مع إسرائيل. ولكن يبدو أن هذا النزاع قد يأخذ طريقه إلى الحل بدخول شركة «vantage drilling» الأميركية مؤخراً عبر شركة «توتال» الفرنسية التي تملك مساهمة 40 في المئة باستثمار البلوك رقم 9 المجاور لإسرائيل، حيث لها عمليات مماثلة في حقل «كاريش» الإسرائيلي.
ويأتي هذا الاستثمار في إطار خطة أميركية تشمل استثمارات بقيمة 8 مليارات دولار في لبنان، منها: دخول شركة «جنرال الكتريك» إلى قطاع الكهرباء بالتزام مشروع«هوا عكار»، والمساهمة بتنفيذ سد«بسري» عبر البنك الدولي وتكلفته 600 مليون دولار، إضافة إلى بناء مقر السفارة الأميركية الجديد والذي تفوق تكلفته المليار دولار، ويأتي في إطار الخطة كذلك إقدام بنك «جولدمان ساكس» الأميركي على تقديم وديعة للبنك المركزي بقيمة 1.4 مليار دولار عبر بنك «سوسي/يتيه جنرال»، بتوظيف استثماري في سندات«اليوروبوند» لمدة خمس سنوات بفائدة 12 في المئة. ويتم تنفيذ هذه الاستثمارات بالتنسيق مع البنك الدولي، وبمواكبة المشاريع الممولة بقروض«سيدر»البالغة 11 مليار دولار بقيادة فرنسا. ويعزز هذه الاستثمارات وعود بعض الدول العربية بتقديم مساعدات مالية لدعم لبنان.

ولعل الأهم في هذا المجال، أن تستفيد الشركات الأميركية باستثماراتها في لبنان، بالتحضير لدخول سوريا والمساهمة بإعادة إعمارها مع شركات أوروبية وعربية خليجية، بعد إنجاز الحل السياسي المرتقب، وفي إطار صفقة كبرى إقليمية ودولية.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية