خلال قمة مجموعة الدول السبع الكبرى التي عقدت الشهر الماضي في بياريتز الفرنسية، بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره دونالد ترامب مثل أفضل صديقين في العالم. وإذا كان ترامب قد انتقد البيان المشترك الصادر عقب انتهاء أعمال قمة السبع الكبرى السابقة، المنعقدة في كندا عام 2018، وهو على متن الطائرة أثناء عودته، فإنه أشاد هذه المرة بالرئيس ماكرون وفرنسا التي استضافت القمة الأخيرة.
والحال أن ترامب كان قد هدّد بعدم القدوم أو بعدم حضور مأدبة عشاء القمة، لكنه في نهاية المطاف قدِم مبكراً إلى بياريتز وشارك في وجبة غداء رأساً لرأس مع الرئيس ماكرون، في ما بدا تفاهماً وانسجاماً كبيرين بين الرجلين. وإذا كان ترامب قد قال كلمات قوية جداً في حق الرئيس الفرنسي قبل قمة مجموعة السبع، وهدّد بفرض رسوم جمركية ثقيلة على صادرات النبيذ الفرنسية رداً على الضريبة التي كانت تريد فرنسا فرضها على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، فإن كل سوء فهم تبدّد أثناء قمة بياريتز. بل إن ماكرون أقدم على مناورة من أجل الخروج من المأزق الإيراني وذلك عبر استقدامه، بموازاة مع قمة السبع، وزير الشؤون الخارجية الإيراني الذي أجرى معه مباحثات. وكان ترامب قد وافق على قدوم الوزير الإيراني، رغم أنه لم يلتق به بشكل مباشر. وبعد القمة، ألمح إلى إمكانية لقاء مع الرئيس روحاني.
العلاقة الجيدة بين الرجلين نُسجت منذ وصول ماكرون إلى السلطة. فخلال قمة حلف «الناتو» في يونيو 2017، ظهر الرجلان معاً وتصافحا مصافحة قوية شهيرة تداولت صورَها جل وسائل الإعلام. كما كان ترامب ضيف شرف على فرنسا في يومها الوطني في 14 يوليو 2017 وعاد منها منبهراً لدرجة أنه أعلن رغبته في تنظيم استعراض عسكري من ذلك النوع في الولايات المتحدة خلال يومها الوطني. ولعل القاسم المشترك بين الرجلين هو أن كليهما وافدان جديدان، وأنهما فازا في الانتخابات الرئاسية بشكل مفاجئ وضد الطبقة السياسية الموجودة. لكن مواقفهما في جوهرها متعارضة، ففي كل جمعية عامة للأمم المتحدة، يأتي ترامب ليدلي بخطاب يصب في اتجاه مبدئه الشهير «أميركا أولا» (أو بالأحرى «أميركا فقط»)، مطوّراً تصوراً أحادي الجانب للدبلوماسية، فيما يدافع ماكرون عن تعددية الأطراف التي يريد أن يكون بطلها على الساحة الدولية. وفضلا عن ذلك، فإن ترامب من المشككين في «التغير المناخي» حيث انسحب من اتفاق باريس حول مكافحة تغير المناخ، وهو الموقف الذي عارضه ماكرون قائلا: «لنجعل كوكبنا عظيماً من جديد»، في إشارة إلى شعار ترامب.
وإذا كان ماكرون يدافع بشراسة عن ضرورة احترام الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، فإن ترامب ندّد به. وقد تزعم ماكرون الرد الأوروبي وتمكن من إقناع ألمانيا، وبشكل خاص بريطانيا التي نادراً ما تعارض الولايات المتحدة في مواضيع استراتيجية رئيسية، بتشكيل جبهة موحدة ضد واشنطن. وأخيراً، أخرج ترامب الولايات المتحدة من منظمة اليونيسكو التي يوجد مقرها في باريس.
لقد أراد ماكرون أن يكون واقعياً تجاه ترامب، منطلقاً من مبدأ أنه موجود في السلطة، شئنا أم أبينا، حتى عام 2020، بل ربما أيضاً عام 2024. وقد نجح على صعيد العلاقات الشخصية، ولا شك أنه أحد الزعماء الذين يبدي لهم ترامب قدراً كبيراً من الود.
لكن العلاقات الشخصية الجيدة لا تولِّد اتفاقاً سياسياً. فماكرون يُظهِر صداقة حارة وقوية مع ترامب في الوقت نفسه الذي يعبّر فيه عن مواقف متعارضة مع مواقف نظيره الأميركي. لكن الرئيس الأميركي لا يغيّر سياسته لسبب من ذلك النوع. فهو منشغل أولا وقبل كل شيء بإعادة انتخابه في عام 2020، وبالتالي فإن تأثير رؤساء الدول والحكومات الأجانب، بمن فيهم «الأصدقاء»، ليس مهماً. وأخيراً، فإن رد فعل ترامب رهين على نحو رئيسي بعلاقات القوة. وبالتالي، فهذا ما ينبغي الاشتغال عليه إزاءه.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس