امرأة وابنتها الصغيرة، التي لم يتجاوز عمرها 6 أو 7 سنوات، تتبضعان في محل بقالة بأحد أحياء مدينة دمّرتها الحرب. نحن في حدود عام 1947. لقد وضعت الحرب أوزارها، والألمان رحلوا، والجيستابو لم يعد يلاحق اليهود. بعض زبانيتهم المحليين سُجنوا أو قُتلوا. والكثير منهم خلعوا بذلهم وعادوا لحيواتهم السابقة.
الأمم تتحدث بلكنة أجنبية. وبينما كانت تستعد لدفع ثمن ما اشترته، بادرها صاحب المحل بالقول: «لماذا لا تعودا من حيث أتيتما؟».
ولكن إلى أين؟ فالمرأة فرّت من موسكو إلى برلين حين كانت فتاة، بعد أن وصل البلاشفة إلى السلطة في 1917 واعتقلوا والدها، الذي لم تسمع عنه شيئاً منذ ذلك الحين. ولاحقاً، عندما كانت ما تزال في العشرينيات من عمرها، فرّت من برلين إلى ميلانو خلال الفترة ما بين وصول هتلر إلى السلطة في 1933 وسنّ موسوليني للقوانين العرقية في 1938.
هي وابنتها لم تكونا مواطنتي أي بلد، وكانتا تعيشان باسمين غير حقيقين. لم يكن لديهما مكان تلجآن إليه، ولا مكان لتذهبا إليه، ولا وسيلة للبقاء. فأن يذهبا إلى الاتحاد السوفييتي كان سيرقى لعمل انتحاري. وأبواب أميركا كانت موصدة في الغالب.
كانت هذه حياة لاجئة في أوروبا ما بعد الحرب وما قبل إعادة الإعمار. ولكنها تغيرت بشكل دراماتيكي في العام التالي، عندما وقع الرئيس الأميركي هاري ترومان «قانون الأشخاص النازحين»، لتكون تلك المرة الأولى التي تتعاطف فيها سياسة الهجرة الأميركية بحق مع المستضعفين.
وبفضل ذاك القانون، وصلت الأم وابنتها إلى نيويورك في 13 نوفمبر 1950، ومعهما 7 دولارات فقط، ولكن من دون خوف من الموت أو الملاحقة.
ما فعله ترومان أصبح سابقة للقرارات التي اتخذتها الإدارات الأميركية اللاحقة لجهة الاعتراف بلاجئين آخرين: نحو 40 ألف مجري فارين من الدبابات السوفييتية بعد 1956، ومئات الآلاف من الكوبيين الفارين من قمع كاسترو بعد 1959، وما يصل إلى 750 ألف يهودي سوفييتي فارين من اضطهاد المستبدين الذين تعاقبوا على حكم الكريملن.
وكان ثمة الكثير من اللاجئين الآخرين. أكثر من مليون لاجئ من فيتنام ولاوس وكمبوديا بعد سقوط سايغون. ومئات الآلاف من الإيرانيين بعد ثورة الخميني. وأكثر من 100 ألف عراقي منذ سقوط صدام حسين. وأعداد مماثلة من البورميين. وبشكل إجمالي، رحّبت الولايات المتحدة بنحو 3 ملايين لاجئ منذ سن قانون اللاجئين لعام 1980، أي أكثر من أي بلد آخر.
وحسب كل المعاير تقريبا، فإن اللاجئين إلى أميركا يميلون عموماً إلى النجاح، أو على الأقل أطفالهم. ذلك أنه أياً تكن الأشياء التي يفعلونها من أجل إغناء أنفسهم، فإنهم يغنون البلاد معهم إلى حد كبير. وتؤكد البيانات حول نجاح المهاجرين ما يوضحه المنطق السليم: أن الأشخاص الذين عرفوا الطغيان يميلون إلى استغلال الحرية والاستفادة منها لأقصى الحدود.
الغريب الآن أن إدارة ترامب لا تخفي معاداتها للأجانب منذ أيامها الأولى في السلطة. فقد انخفض عدد اللاجئين الذين يصلون إلى البلاد من نحو 97 ألفاً في 2016 إلى 23 ألفاً في 2018. والأسبوع الماضي، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن البيت الأبيض يدرس حالياً إمكانية خفض أعداد اللاجئين من جديد بالنصف، وربما حتى خفضها إلى الصفر.
منتقدو هذا المقال من شبه المؤكد أنهم سيقولون إن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تفتح أبوابها للجميع. ولكن هذه حجة غير نزيهة على اعتبار ألا أحد يدعو إلى استقبال «الجميع»، كما أنها حجة مجنونة على اعتبار أن أميركا ستتقلص سكانياً على نحو لا مفر منه من دون استيعاب حصة صحية من المهاجرين قصد تعويض انخفاض معدل الولادات.
كما سيزعم المنتقدون أن «أشخاصاً سيئين جداً»، مثلما يحلو لدونالد ترامب أن يقول، يمكن أن يستغلوا سياسة لجوء وهجرة كريمة. ولكني لا أعرف شخصاً يدافع عن سياسة هجرة تدعو للسماح للإرهابيين بدخول الولايات المتحدة أيضاً. والواقع أن شخصاً غير قادر على العطف فقط يمكنه أن يعتقد أن العطف والحذر شيئان متنافران غير منسجمين، أو أن الكرم من سمات السذج.
ومثلما قد تكونوا خمنتم ذلك، فإن الأم والابنة اللتين سردتُ قصتهما في بداية هذا المقال هما جدتي ووالدتي. وأحمد الله كثيرا أن هاري ترومان، وليس دونالد ترامب، هو الذي كان يقود أميركا عندما لم يكن لديهما مكان ليلجآ إليه.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/09/13/opinion/refugees-trump-america.html