لأكثر من ثلاثين عاماً، كان فصيل من خبراء الشرق الأوسط يحاجج بأن أوان حل دولتين للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، قد فات، بسبب زرع المستوطنات اليهودية المتواصل في الأراضي العربية التي تحتلها منذ 1967. ولكن معظم المؤسسة الدبلوماسية الأميركية قاومت هذه الحجة، التي كثيراً ما كانت تستند إلى العاطفة – مثل مشاعر العداء لإسرائيل – أكثر منها إلى البيانات الصلبة.
غير أن ذلك قد يكون على وشك التغير الآن. ذلك أنه إذا نجح نتنياهو في تمديد فترة حكمه كرئيس لوزراء إسرائيل بعد انتخابات الثلاثاء، فإن الفكرة التي تقول إن الإسرائيليين والفلسطينيين مصيرهم العيش في دولة واحدة للأبد من المحتمل أن تصبح حتمية. وهذا سيعني اختياراً بين بلد علماني وديمقراطي ولكنه ثنائي القومية، أو نظام آبارتايد يهودي.
بعبارة أخرى، إذا فاز نتنياهو، فإن نبوءة المتشائمين الذين حذروا من الكارثة ستتحقق. ولكن لماذا كان هؤلاء مخطئين من قبل؟ لأنه خلال معظم فترة حكمه التي دامت عقداً من الزمن، حرص نتنياهو على ترك إمكانية قيام دولة فلسطينية مفتوحة. ففي 2009، ومن أجل إرضاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، ذهب نتنياهو إلى حد تأييد الفكرة. وخلال أعوامه الثمانية الأولى في السلطة، عمل نتنياهو في صمت على كبح نمو المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية خارج الجدار، مبقياً بذلك على إمكانية تقسيم للأراضي.
ومؤخراً في 2017، وجدت حسابات «ديفيد ماكوفسكي» من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، والذي يُعد أحد أكثر علماء الديمغرافيا المتابعين للمستوطنات حذراً، أن نحو 80 في المئة من المستوطنين الإسرائيليين يعيشون على 8 في المئة من الضفة الغربية داخل الجدار، ما يعني أن التقسيم إلى دولتين ما زال ممكناً.
وهناك تطوران نسفا الوضع الراهن. أولهما أن نتنياهو تبنى استراتيجية سياسية للقومية المتشددة، وبحث عن حلفاء في اليمين المتطرف الإسرائيلي والأحزاب الدينية، بدلاً من أن يبحث عنهم بين علمانيين مناصرين لحل الدولتين. وثانيهما أن دونالد ترامب، كرئيس أميركي، منح نتنياهو تفويضاً مطلقاً، ما قضى على ما كان يمثّل في الماضي قيوداً أميركية قوية على الطموحات الترابية الإسرائيلية.
والنتيجة استراتيجية صاعدة لنتنياهو لتعزيز السيطرة الإسرائيلية الدائمة على ما كان ذات يوم فلسطين، ما يترك الـ4.9 مليون عربي في الضفة الغربية وقطاع غزة من دون سيادة، ومن دون حقوق تصويت في إسرائيل. وكان نتنياهو، الذي ألمح إلى أنه يحظى بدعم ترامب، قد وعد الأسبوع الماضي بأنه إذا أعيد انتخابه، فإنه سيسارع إلى ضم وادي الأردن، الذي يجري بمحاذاة الحدود الشرقية للضفة الغربية مع الأردن. كما تعهد بضم كل مستوطنات الضفة الغربية، بما في ذلك تلك الواقعة بعيداً خارج الجدار.
وفي هذا الإطار، قال لي ماكوفسكي: «إذ قام بضم الأشياء التي يتحدث عنها، فقد انتهى كل شيء»، حيث لن تعود هناك فرصة لقيام دولة فلسطينية. وهذا من شأنه أن «يعيق مهمة إسرائيل التأسيسية كدولة يهودية ديمقراطية يحظى فيها الجميع بحقوق متساوية».
الكثير من الناس يعتقدون أن نتنياهو، الذي يتوق جداً للبقاء في السلطة من أجل تجنب ملاحقة قضائية محتملة على خلفية تهم تتعلق بالفساد، إنما يناور ولن يقدم على شيء من هذا القبيل، وخاصة أن لديه تاريخاً في تقديم وعود جامحة قبل الانتخابات، وعود سرعان ما يتخلى عنها لاحقاً. ولكن أرقام ماكوفسكي تُظهر أن الحكومة الإسرائيلية الحالية غيّرت جذرياً سياستها الخاصة بالمستوطنات. ففي 2017، عندما وصل ترامب إلى الرئاسة، كانت ثمة 94 ألف إسرائيلي يعيشون خارج جدار الضفة الغربية. ولكن في ظرف عامين فقط، ارتفع العدد إلى 103 آلاف، وهو ما يمثل متوسط زيادة سكانية سنوية أعلى بـ50 في المئة من الرقم المسجل خلال سنوات نتنياهو الثماني السابقة.
الانتخابات الإسرائيلية بمثابة استفتاء على نتنياهو وزعامته المثيرة للاستقطاب. ولكن «موضوعها الرئيسي» الخفي، حسب ماكوفسكي، هو بقاء حل الدولتين. الخصم الرئيسي لحزب نتنياهو – الليكود – ائتلاف «أبيض وأزرق» الوسطي، يعارض الضم ويعارض بناء المستوطنات خارج الجدار. وفي الوقت الراهن، تُظهر استطلاعات الرأي أن كلا الحزبين لن يحصلا على أغلبية في البرلمان مع حلفائهما المحتملين. وعليه، فقد ينتهي بهما المطاف ضمن ائتلاف معا، مع نتنياهو أو من دونه، أو سيتحالف أحدهما مع حزب يميني علماني يتطلع إلى أن يكون «صانع الملوك». والواقع أن الانتخابات الإسرائيلية مشهورة بكونها عصية على التنبؤ. ولكننا نعلم التالي: إذا فاز نتنياهو، فإن مسار «الدولة اليهودية» سيتغير على لا نحو لا رجعة فيه!
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»