امتنعت «دولة إسرائيل» الرسمية عن التعليق على اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحق يهود الولايات المتحدة الذين يدلون بأصواتهم لصالح الحزب الديمقراطي، بأنهم «خائنون»! لكن بالمقابل ثار غضبُ الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة من تصريح ترامب، إذ اعتبر بعض هؤلاء تلك التصريحات معادية للسامية، في حين رأى آخرون أنها تخفي وراءها مصالح انتخابية ضيقة. فمسألة «عدم الولاء» التي لجأ إليها ترامب، تعد من المحرمات عند يهود أميركا الذين يتهمون أصلاً من يستخدمها ضدهم بالعداء للسامية.
اليهود الأميركيون، كغيرهم من الأميركيين، تتنوع آراؤهم وأولوياتهم السياسية، لكن أن يصدر هذا الموقف عمن يشغل أعلى منصب منتخب في الدولة الأميركية، فهو أمر له تداعياته على المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة. و«عدم الولاء» مفهوم يروج له القوميون البيض من الأميركيين بشكل أساسي، ويعتبر أحد تجليات معاداة السامية، ومفاده أن اليهود مخلصون لإسرائيل أكثر من البلدان التي يقيمون فيها. وهذه لم تكن المرة الأولى التي يشير فيها ترامب لعبارة «عدم الولاء». ففي شهر مايو الماضي أثناء لقائه مع أعضاء التحالف الجمهوري اليهودي، المؤسسة الأميركية اليهودية الداعية لدعم العلاقات بين أميركا وإسرائيل، قال صراحة: «لقد تحدثت مع رئيس وزرائكم نتنياهو»، ما اعتبره البعض إعلاناً صريحاً بأنه لا يعترف بأميركية يهود الولايات المتحدة!
ويشير العديد من خبراء الشأن الأميركي إلى أن اليهود تغلغلوا في الحزب الديمقراطي باعتباره حزب المهاجرين، حيث يمكنهم الانسجام في جزء كبير من رؤيته الديمقراطية وتعامله مع الحقوق والأقليات، بخلاف الحزب الجمهوري الذي لم يرحب بهم عندما وفدوا إلى الولايات المتحدة. واليوم، وطبقاً لمركز «بيو للأبحاث»، فقد صوت «71% من يهود أميركا لهيلاري كلينتون خلال انتخابات الرئاسة لعام 2016، وارتفعت نسبة تصويتهم للمرشحين الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس عام 2018، أي بعد عامين من حكم ترامب، إلى 79%». وكشفت دراسة حديثة للمركز أن «البروتستانت والإيفانجاليكال أكثر تأييداً لسياسات ترامب مقارنة باليهود الأميركيين. ورأى 42% من يهود أميركا أن واشنطن تدعم إسرائيل أكثر من اللازم، في حين يرى 22% فقط من البروتستانت ذلك، وتنخفض النسبة مع الإيفانجاليكال إلى 15%. وقد حصل ترامب على أصوات 58% من الناخبين البروتستانت، مقابل 39% لمنافسته، وارتفعت نسبة تأييد ترامب إلى 81% وسط الإيفانجاليكال، مقابل 16% لهيلاري».
كثيرون هاجموا تصريحات ترامب، حيث اعتبر العديد من اليهود أنها عبارة «يستخدمها كل المعادين للسامية منذ العصور الوسطي بالملكيات الأوروبية للتشكيك في ولاء الرعايا اليهود للدولة التي يعيشون فيها». فمثلاً، قالت جماعة «جيه ستريت»، وهي جماعة الضغط اليهودية الليبرالية: «من الخطر والعار أن يهاجم الرئيس ترامب الأغلبية الكبيرة من الطائفة اليهودية الأميركية ويصفها بالغباء والخيانة. لكن ليس مفاجئاً أن تنتقل هجمات الرئيس القاسية بحق النساء التقدميات الملونات في الكونغرس الآن إلى تشويه يستهدف اليهود». وقال السناتور بيرني ساندرز الذي ينافس على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2020: «رسالتي إلى ترامب: أنا يهودي وأفتخر، وليس لدي مخاوف من الإدلاء بصوتي لديمقراطيين». ووصف جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق والمرشح الأوفر حظًا لمنافسة ترامب في انتخابات الرئاسة، التصريحات بأنها «مهينة وغير مبررة»، وحث الرئيس على التوقف عن بث الفرقة بين الأميركيين. أما المتنافس الديمقراطي «بيتو أورورك» فقال: «الشعب اليهودي ليس بحاجة لإثبات ولائه لك (ترامب) أو لأي شخص آخر». ودعت اللجنة اليهودية الأميركية «الرئيس لوقف مثل هذا الخطاب المثير للانقسام والتراجع عن تصريحاته الساخطة». ومن جهته، قال منتدى السياسة الإسرائيلية: «نحن نرفض تعليقات الرئيس ترامب التي تشير إلى الجهل والخيانة بين اليهود الأميركيين. إن كلمات الرئيس مروعة، لكنها غير مفاجئة بالنظر إلى سجله من التصريحات القاسية، وكذلك جهوده للاستفادة من إسرائيل باعتبارها قضية دسمة في السياسة الأميركية». وكتب الحاخام «جونا بيسنر»، مدير مركز العمل الديني لحركة الإصلاح: «الادعاء بأن اليهود غير مخلصين لممارسة حق التصويت، هو أمر غير مسؤول وخطير، فالحرية السياسية والدينية هي من السمات المميزة لهذه الأمة، وتحمي الناس من جميع الأديان». ثم أضاف مخاطباً ترامب: «توقف عن استخدام الجالية اليهودية لتسجيل نقاط سياسية». وفي السياق ذاته، قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ «تشاك شومر»: «عندما يستخدم ترامب وصفاً استخدم ضد الشعب اليهودي لقرون، وكان له عواقب وخيمة، فهو يشجع - عن قصد أو عن غير قصد- على معاداة السامية في جميع أنحاء البلاد والعالم».
عندما يقول ترامب إن اليهود الذين يصوتون لصالح الديمقراطيين يظهِرون «إما نقصاً تاماً في المعرفة أو عدم الولاء الشديد»، فإنه يقوي قوى التعصب. بل إن كل ما حدث منذ توليه الرئاسة من حوادث عنصرية في أكثر من ولاية، بات مشكلة عصية على الحل، أساسها عنصرية شاملة ضد أقليات ذات أصول ثقافية متعددة. ويشهد المجتمع الأميركي اليوم تحولات تمس جوهر مستقبل الولايات المتحدة والطريق الذي سيسير نحوه مجتمعها، فيما يبدو الرئيس المنتخب (ترامب) غير مكترث، بل هو يواصل الإدلاء بتصريحات تذكي الخلاف بين الأميركيين، غير آبه إلا بإعادة انتخابه لولاية ثانية!