لا فرق هنا إذا ما كان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون قد أقاله الرئيس دونالد ترامب أو أن بولتون قد استقال. لكن التغيير في القيادة السياسية الخارجية سيكون له تأثير عميق على شكل سياسة هذه الإدارة تجاه إيران وطريقة تطبيقها. صحيح أنه لا تثريب علينا إذا وصفنا بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو بأنهما من المتشددين تجاه إيران، لكن موقف كل واحد منهما تجاه أفضل الممارسات للتعامل مع طهران اختلف دوماً. فقد فضل بولتون التهديد القائم دوماً باستخدام التحرك العسكري كخيار ضد إيران، ودافع علنا في غالب الأحوال عن هذا، بما في ذلك حين وافق ترامب على شن ضربات عسكرية ضد إيران، رداً على إسقاط طائرة أميركية مسيرة، وهي الضربات التي تراجع ترامب عنها، حين علم بشأن الأعداد المتوقعة من الضحايا. فقد اعتقد بولتون أن الهجمات كان يجب شنها كما كان مزمعاً.
وعلى مدار عقود ظل بولتون متسقاً مع نفسه في احتقاره لزعماء إيران ولخصومه الآخرين اللدودين، وغيابه عن منصبه يعني أن حركة «مجاهدي خلق»- وهي جماعة معارضة إيرانية أُدرجت لفترة طويلة على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للجماعات الإرهابية الأجنبية- أصبحت بلا حليف قوي في البيت الأبيض. وبولتون الذي أصبح الآن مستشار الأمن القومي السابق والسفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة، كان واحداً من عشرات السياسيين الأميركيين- من بينهم «الجمهوري» ردوي جولياني- الذين يدافعون علناً عن الحركة باعتبارها بديلاً قادراً على الصمود للنظام الإيراني الحالي.
وكان تحالف بولتون مع حركة «مجاهدي خلق» هو ما جعله شخصية بغيضة للغاية لدى الإيرانيين من جميع المشارب السياسية، في داخل البلاد وفي الشتات. ومع تواري هذه الحركة فجأة من على المسرح، سيصبح الإيرانيون العاديون- الذين يفضلون أن يروا حكومتهم تتفاوض من أجل إسقاط العقوبات التي تخنق اقتصاد البلاد حالياً- أكثر ميلاً لدعم التفاوض مع زعماء الولايات المتحدة. وملايين الإيرانيين الذين يفضلون تغيير النظام ربما أصبحوا أكثر ثقة الآن بأن الولايات المتحدة ليس لديها خطط جادة لتنصيب الحركة التي لا تحظى بشعبية إذا سقط هذا النظام.
وعلى أي حال، فحين يتعلق الأمر بإيران، فإن إدارة ترامب لم تعد مقيدة اليد بـ«بولتون»، الذي كان يعتبر الدبلوماسية ضعفاً وليس أداة. وعملية التغيير تمنح أول فرصة حقيقية لترامب لينفذ سياسة التواصل مع إيران، وهي السياسة التي دافع عنه ترامب وبومبيو علناً منذ قرار الإدارة بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 مع طهران. والجدير بالذكر أن بولتون تولى مهام منصب مستشار الأمن القومي في أبريل عام 2018 قبل شهر من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. ورغم أن ترامب هدد بالإقدام على هذه الخطوة قبل فترة طويلة من توليه المنصب، لكن التوقيت ربما أثلج صدر بولتون لأنه راقه أن يُنظر إليه باعتباره صارماً مع إيران.
لقد كان مجرد وجود بولتون في الإدارة، وعلى مثل هذا المستوى الرفيع، من الأسباب التي جعلت المحادثات بين إدارة ترامب وطهران أمراً مستحيلاً. ويتعين على ترامب وبومبيو أن يتوصلا إلى خيار واضح ويتمسكا به. فإما ألا يدخرا جهداً في مسعى التوصل إلى اتفاق جديد مع القيادة الإيرانية، كما وعد ترامب بهذا منذ أن كان مرشحاً، أو يستمرا في حملتهما التي بلا طائل والمعروفة باسم «الضغط الأقصى» وهي السياسة التي لم تؤد إلا إلى تأثيرات ملحوظة جعلت حياة الإيرانيين العاديين أكثر بؤساً.
ولدى ترامب وبومبيو الوقت الكافي كي يطرحا من جديد إمكانية إجراء محادثات دون شروط مسبقة. ويمكنهما إثبات ذلك. ورحيل بولتون قبل أسبوعين من الدورة السنوية لجلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة يلقي بالكرة مباشرة إلى ملعب إيران. وإذا رفض الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف عرض الاجتماع مع نظرائه الأميركيين أثناء تواجدهم في نيويورك، فسوف ينظر إليهم فجأة باعتبارهم الطرف غير المعقول. والشيء الوحيد الذي يمكن قوله عن موقف بولتون تجاه إيران أنه كان واضحاً، لكن معرقلاً منذ اللحظة التي انضم فيها للإدارة. والتغيير الذي قد يطرأ على سياسة ترامب تجاه إيران في المستقبل سيثبت هذا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»