في كل الإدارات الأميركية – ولكن في إدارة ترامب بشكل خاص – الشخصيات هي السياسة، والفصائل الداخلية تشكّل تحالفات من أجل ممارسة النفوذ والحفاظ على السلطة. وقد أتت استقالة جون بولتون المرتقبة منذ وقت طويل من منصب مستشار الأمن القومي حينما خسر فصيله كل حلفائه. لقد كان يخوض معارك كثيرة على جبهات كثيرة.
وطبعاً مشكلة بولتون الرئيسة هي أنه فقد ثقة رئيسه دونالد ترامب، ولكن الخلافات المتعلقة بالسياسة الخارجية كانت واحداً من الأسباب فقط.
صحيح أن بولتون عارض جهود الرئيس بشأن عقد صفقات في أفغانستان وكوريا الشمالية وإيران. ولكن ومثلما أوضحت عدد من التقارير يوم الثلاثاء، فإن ترامب أصبح مقتنعاً بأن بولتون انتقل من مجرد معارضة أجندته إلى السعي فعلياً لتقويضها، من خلال التسريبات بشكل رئيس. وقد وصل ترامب إلى تلك القناعة بمساعدة كثيرين داخل الإدارة وخارجها سعوا لتأليب الرئيس على بولتون، عبر التسريبات بشكل رئيس.
واللافت أن العديد من الفصائل خرجت إلى العلن لتكشف عن نزاعاتها الداخلية. بدأ ذلك بولتون من خلال تغريدة له على تويتر قال فيها بشكل صريح إنه استقال من منصبه بمبادرة منه، مناقضاً تغريدة لترامب تقول إن بولتون أقيل. وبعد ذلك، خرجت المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني جريزهام لتقول لصحافيين في رسائل هاتفية إن بولتون يكذب. وبعد ذلك، كتب بولتون لصحافيين يقول إن جريزهام تكذب.
والواقع أن الكره المتبادل بين بولتون وجريزهام ليس جديداً. ففي منصبها السابق كمتحدثة رسمية باسم ميلانيا ترامب، لعبت جريزهام دوراً أساسياً في الإذلال العلني لنائبة بولتون السابقة «ميرا ريكاردل»، والذي اشتمل أيضاً على اتهامات متبادلة بالتسريب. وقد كان صعود «جريزهام» إلى منصب رئيسة الاتصال داخل البيت الأبيض دائماً مؤشراً سيئاً بالنسبة لفريق بولتون ذلك أن فصيل عائلة ترامب مصيره البقاء فترة أطول من أي فصيل آخر.
الحزازات القديمة مع وزير الخارجية مايك بومبيو وفريقه خرجت أيضا إلى العلن، عندما أكد بومبيو أنهما كانا يختلفان حول العديد من القضايا، مناقضاً بذلك تصريحاته الروتينية السابقة من أن الإدارة موحدة. صحيح أن بولتون كان يرى أن دبلوماسية بومبيو تجاه كوريا الشمالية تأتي بنتائج عكسية، وكان يريد اتخاذ موقف أكثر تشدداً من وزارة الخارجية تجاه إيران. ولكن يوم الثلاثاء، كشف بومبيو عن رأيه الشخصي من أن بولتون يعمل ضد أجندة ترامب، حيث قال في مؤتمر صحفي حول العقوبات وكان من المقرر أن يشارك فيه بولتون، إن ترامب «ينبغي أن يكون لديه أشخاص يثق فيهم ويقدّرهم، أشخاص يستفيد من جهودهم وآرائهم في تنفيذ السياسة الخارجية الأميركية». مضيفاً «وهذا ما يحاول وزير الخزانة ستيفن منوشن وأنا، كعضوين في الحكومة، فعله كل يوم».
وفي الأثناء، يهاجم مشرعون ومعلقون مؤيدون لشعار «اجعل أميركا عظيمة من جديد» وأصدقاء لترامب بولتون منذ أشهر عبر سعيهم الحثيث لنقل اتهامات إلى ترامب. وبعض المقربين من الرئيس كانوا دائماً يعتقدون بأن أجندة حملة ترامب تتطلب هزم أشخاص محسوبين على مؤسسة الحزب «الجمهوري» مثل بولتون.
القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير ربما أتت عندما علق آخر حليف لبولتون، نائب الرئيس «مايك بانس»، في شكاوى بولتون الداخلية الكثيرة. فقد كان بانس وبولتون متقاربين في صمت، ولكن «بانس» يلعب لعبة أكثر حذراً وانضباطاً. وقد أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن فريق بانس كان غاضباً بسبب ورود اسم بانس في تقارير إخبارية إلى جانب بولتون باعتبارهما يعارضان اعتزام ترامب دعوة زعماء «طالبان» إلى كمب ديفيد.
ووفق الصحيفة، فإن «كلاً من ترامب وبانس نفيا تلك التقارير، وقال بعض مسؤولي البيت الأبيض إنهم يعتقدون أن ذلك هو»القشة الأخيرة«بالنسبة للرئيس». إنه تسريب حول تسريب.
في النهاية، كان إخراج بولتون شيئاً وحّد كل الفصائل الأخرى في عالم ترامب، ولكن لا تتوقع أن يدوم ذلك طويلاً. فقد قال ترامب إنه سيختار مستشاره الجديد لشؤون الأمن القومي الأسبوع المقبل. وعليه، فلتبدأ المناورات الداخلية الجديدة!
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»