مع تراجع أسعار الفائدة وانخفاض العائدات الاستثمارية على نطاق واسع، يتزايد القلق من أن البنوك المركزية قد خسرت قدرتها على إدارة السياسات النقدية. وقد أشار وزير الخزانة الأميركي السابق «لاري سامرز»، مؤخراً، إلى ذلك في عاصفة تغريدات، بينما نشر «أدير تيرنر»، الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية البريطانية، مقالاً حديثاً بعنوان «البنوك المركزية فقدت كثيراً من سطوتها!».
لكن ذلك ادعاء خاطئ، فالبنوك المركزية لا تزال لديها قدرة التأثير في الاقتصاد أكثر من أية مؤسسات أخرى حكومية. والسؤال لا ينبغي أن يكون كيف خسرت نفوذها، وإنما لماذا لم تحاول استخدام نفوذها؟
ويشير المنتقدون إلى تقارب أسعار الفائدة على احتياطات البنوك المركزية والأوراق المالية الحكومية في كثير من الأحيان. ويلفتون إلى أنه في تلك الحالة، لن يكون تدخل البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة وإجراء تيسير نقدي من خلال شراء الأوراق المالية الحكومية ذا أهمية كبيرة. وهذا الأمر صحيح تماماً، غير أن البنوك المركزية يمكنها استخدام أدوات سياسية أخرى. ولعل أبرز الحقائق المذهلة بشأن الوضع الراهن عدم إعلان أي من البنوك المركزية عن ترحيبه برؤية ارتفاع في معدلات التضخم.
والحقيقة أن البنوك المركزية تودّ تقديم مساهمات هامشية لتحفيز الاقتصاد، دون إثارة غضب سياسي نتيجة ارتفاع أسعار السلع والبضائع. وتخيلوا أن أحد رؤساء البنوك المركزية الكبرى أظهر رغبة في ارتفاع معدلات التضخم إلى عتبة 3 أو 4?، بدلاً من الاستقرار دون 2? حالياً. وتخيلوا أيضاً أن القيادة السياسية أرسلت الإشارات الملائمة تأييداً لهذا الإعلان. ربما ستُعامل الأسواق الإعلان باعتباره إشارة توسعية في السياسات النقدية. ومن الممكن أن تتجاهل الأسواق هذا الإعلان، لعلمها بأن البنك المركزي سيعجز عن تحقيق ارتفاع في معدلات التضخم.
ورغم ذلك، فإن السيناريو المرجح هو نجاح البنك المركزي، لأن بمقدوره توفير مزيد من السيولة المالية لشراء العملات الأجنبية أو الأصول طويلة الأجل وذات العائدات المرتفعة. كما يمكنه ببساطة تقديم الدعم للمستهلكين. وعلى الأرجح ستُترجم أي من هاتين الاستراتيجيتين إلى ارتفاع في معدلات التضخم.
وبالطبع، تنطوي مثل هذه التحركات على خطر سياسي كبير بالنسبة لأي بنك مركزي، ولعل هذا من أسباب عدم رغبة البنوك المركزية في مناقشتها، ناهيك عن تنفيذها. فإذا تم النظر إلى دعم المستهلكين بالأموال باعتباره توزيعاً غير عادل، فسيصبح البنك المركزي أقل شعبية. لكن هذا الأمر مختلف تماماً عن الإشارة إلى أن السياسات النقدية لم تعد ذات أهمية.
وإذا اقتضت الضرورة، يمكن للبنك المركزي تقديم دعم في صورة قسائم تخفيض أو ودائع محددة المدة، لتشجيع الناس على الإنفاق بدلاً من ادخار الأموال، لدفع عجلة الاقتصاد. وشخصياً، لا أحبذ مثل هذه السياسة، إذ لا أعتقد أنها ضرورية، وستكون لها تداعيات إضافية على السياسات النقدية. لكن ما أقصده أن البنوك المركزية تمتلك أدوات كثيرة أخرى غير التيسير النقدي عن طريق شراء الأوراق المالية الحكومية.
وإذا حدث ركود، فسيكون على البنك المركزي الأميركي توضيح أنه جاد في تحفيز الاقتصاد باستخدام السياسات النقدية. وسيكون عليه تأكيد أنه ليس عاجزاً عن مواجهة الركود، حتى لو لم تكن السياسات النقدية هي الطريقة المثلى لإصلاح الأضرار الناجمة عن حرب تجارية.

*أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ميسن الأميركية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»