الشهر الماضي، قال الرئيس دونالد ترامب عن تهديد تنظيم «داعش» ما يلي: «لقد أبلينا بلاء حسناً... سيطرنا على كل أراضي التنظيم، ونحن الآن بصدد الانسحاب من سوريا بسرعة. سننسحب من هناك قريباً جداً، ولنتركهم يتولون مشاكلهم الخاصة. فسوريا تستطيع تولي مشاكلها الخاصة – إلى جانب إيران، وروسيا، والعراق، وتركيا. أما نحن، فإننا بعيدون بـ7 آلاف ميل».
بعبارة أخرى، لقد هُزم تنظيم «داعش» إلى حد كبير، ولم يعد يشكل تهديداً مباشراً لبلدنا. وبالتالي، فلندع بلداناً أخرى أقرب تتولى هذه المشكلة البعيدة. لقد كان هذا دائماً هو الوعد الزائف للنزعة الانعزالية – أن البعد الجغرافي يمكن أن يحمينا من التهديدات التي في العالم. ولكنه لم ينجح بالنسبة لمن حاججوا في الثلاثينيات بأن المحيطات يمكن أن تحمينا من ألمانيا النازية. ولن ينجح في القرن الحادي والعشرين في مواجهة تهديد الإرهاب العالمي.
فوفق مسؤولين عسكريين واستخباراتيين أميركيين وعراقيين وتقرير للمفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية، فإن تنظيم «داعش» بصدد حشد قوة جديدة، حيث يشن حرب عصابات على العراق وسوريا، ويعيد تنظيم شبكاته المالية، ويستهدف مجندين جدداً. وقد عبأ التنظيم الإرهابي ما يصل إلى 18 ألف مقاتل في العراق وسوريا. وفي إطار هدفهم الأساسي – السيطرة على دولة إسلامية عالمية – يواصل هؤلاء الإرهابيون استهداف الولايات المتحدة ودولاً غربيةً أخرى بلا تعب أو كلل.
ولهذا، فإن التخلي عن جهودنا لمحاربة تنظيم «داعش» وإرهابيين آخرين واحتوائهم هو بمثابة دعوة مفتوحة لهم، ليعيدوا إنشاء قاعدة عمليات يشنّون انطلاقاً منها هجمات على بلدنا.
لقد مثّل هجوم 11 سبتمبر تنبيهاً للولايات المتحدة. فقد ذهبنا للحرب ضد قيادة «القاعدة» حرصاً منا على عدم تكرار هجوم مثل ذلك مرة أخرى. ثم انضم إلينا «الناتو» وحلفاء آخرون في القتال.
وتم إرسال قوات خاصة باستخدام القدرات الاستخباراتية وقدرات محاربة الإرهاب. ومن خلال عملنا مع الحلفاء في المنطقة، استطعنا تطوير عمليات أمنية واستخباراتية فعالة كانت أساسية لحماية بلدانهم وبلدنا. ولكن جعل تلك العمليات ذات مصداقية كان يقتضي نظام دعم قوياً والتزاماً واضحاً بأن الولايات المتحدة ستكون هناك من أجل المساعدة.
وعليه، فسواء في سوريا أو العراق أو أفغانستان أو غيرها، يجب على الولايات المتحدة أن تبقى مركزة على عدم منح الإرهابيين فرصة لإقامة قاعدة عمليات يستطيعون من خلال مهاجمة بلدنا. والحقيقة البسيطة هي أننا لا نستطيع الوثوق في وعد الإرهابيين. ولهذا، فإن المبدأ الأول للسياسة الأميركية كان هو عدم التفاوض معهم أبداً. ولكن إنْ فعلنا، لا يمكننا بكل تأكيد افتراض أن يفعلوا ما يعدون به. فأي اتفاق مع الإرهابيين سيفشل من دون خطة شاملة للتطبيق مدعومة من قبل الولايات المتحدة والقوات الأمنية للبلد المعني. والهدف النهائي هو إنشاء حكومات تستطيع حكم وتأمين نفسها. ولكن ذلك لن يحدث من دون زعامة ودعم أميركيين. ولكننا نقوم بهذا ليس من أجل أمنهم فحسب، ولكن من أجل أمننا أيضاً.
لقد تعلمنا درساً صعباً في 2011 عندما أكملنا سحب كل قواتنا من العراق، إذ ترك ذلك «داعش» حراً ليقيم خلافة يعادل حجمها بريطانيا ويسيطر على حيوات ما يصل إلى 12 مليون نسمة. فأُجبرنا على إرسال قوات إلى العراق وسوريا مرة أخرى من أجل تدمير الخلافة. وعلينا ألا نكرر هذا الخطأ مرة أخرى.
وبالطبع سيكون جميلاً لو تولت دول أخرى هذه المشكلة نيابة عنا. ولكنها لم تفعل ذلك أبداً ولن تفعل. ذلك أن آخر مشكلة تقلق بال إيران وروسيا وتركيا والعراق هو أمن الولايات المتحدة الوطني. ولهذا، فإن مسؤولية حماية بلدنا هي مسؤوليتنا نحن ولا أحد غيرنا.
لقد حققنا تقدماً في كل من العراق وأفغانستان في دعم المكاسب الإنسانية والأمنية والسياسية والاجتماعية. ونحن نعلم أن هذه التحديات صعبة وأن الإرهابيين سيستمرون في عرقلة هذه الجهود. ولكن سحب قواتنا ببساطة والتخلي عن أي مسؤولية في القتال ضد الإرهاب يعرّض أمننا للخطر.
هذا الشهر، قُتل الجندي في البحرية الأميركية سكوت كوبنهافر، 35 عاماً، في شمال العراق خلال عملية مع القوات المحلية – وهو أول أميركي يُقتل في المعركة في العراق هذا العام. ولا شك أنه أمر مأساوي عندما نفقد حياة أي أميركي يخدم بلده، ولكن كوبنهافر كان يحارب عدواً مستعداً لقتل الآلاف من الأميركيين الأبرياء بوحشية، إنْ مُنح الفرصة. وعليه، فالاختيار ليس بين القتال أو الانسحاب. بل الاختيار هو بين حماية بلدنا أو الادعاء بأن ذاك التهديد قد زال واختفى.
صحيح أننا خضنا حروباً استمرت أطول مما ينبغي منذ 11 سبتمبر، ولكن بسبب ذاك القتال والزعامة الأميركيين، استطعنا حماية الولايات المتحدة من هجوم إرهابي كبير آخر. هذا القتال لم ينته بعد للأسف، ولكن ادعاء ذلك يمكن أن يشكّل وصفة لكارثة.

*مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من 2009 إلى 2011 ووزير الدفاع الأميركي من 2011 إلى 2013
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»