يتهيب لبنان خطورة التداعيات السلبية لتراجع تصنيفه الائتماني من قبل المؤسسات الدولية، خصوصاً لجهة تأثيره الكبير على«الثقة» بنقده الوطني وقطاعه المصرفي، وارتفاع تكلفة الاقتراض نتيجة الفرق الشاسع بين الفائدة العادية والفائدة التي تحمل مخاطر أمنية وسياسية، كونه يعيش في منطقة عالية المخاطر، ويعاني من هروب الرساميل والاستثمارات، في ظل تفاقم العجز في ميزان المدفوعات، وتراجع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، فضلاً عن خطورة العجز المالي في موازنة الدولة، وارتفاع نسبة الدين العام إلى نحو 160 في المئة من الناتج المحالي الإجمالي.
لبنان ليس مفلساً، حتى إنه لم يرد في أي تقرير لأي وكالة تصنيف عالمية أومؤسسة دولية، ما يشير إلى أن هذا البلد على شفير الإفلاس، ولكن المصدر الوحيد لمثل هذه الإشاعات هو بعض الخبراء والاقتصاديين «الانتهازيين» الذين يرددون كل يوم «أن لبنان مفلس والليرة ستنهار». وإذا كان تراكم عجز الموازنة وتفاقم الدين العام، هما من مؤشرات الإفلاس، إلا أنهما ليسا الوحيدين اللذين يستخدمان في التصنيف، علماً أنه لا توجد أي منظمة عالمية تحدد ما إذا كانت دولة مفلسة أم لا، بل هناك تقييم من قبل وكالات التصنيف، وأسواق تتفاعل مع هذا التقييم، وبالتالي نتيجة هذا التفاعل تحدد إذا ما كان البلد مفلساً أم لا.
وكالة «موديز» خفضت التصنيف الائتماني للبنان إلى فئة (Caa1)، وهذا يعني أنه لا يزال في قمة المرحلة (c)، ولكن عند صدور تصنيف جديد من أي وكالة سواء «فيتش» أو «ستاندرد أند بورز» إلى درجة (ccc) فهذا يعني وفق قاموس مؤسسات التصنيف، هبوطه إلى درجة الدخول في دائرة الدول غير الصالحة للاستثمار فيها، وفي الوقت نفسه تعني أن حظوظ لبنان في الإنقاذ لا تزال متاحة، وهي مرهونة بما ستفعله سلطة الدولة المهددة بالإفلاس، لتتجنب هذا الكأس المر. ولعل الخطر الأكبر الذي يهدد لبنان، يأتي من «دولرة اقتصاد» ينفق أكثر مما ينتج، ولبنان في هكذا وضع يتصرف كما تتصرف الولايات المتحد، وهي الدولة الوحيدة التي تبيع بأقل مما تشتري وتنفق وتدفع وتسدد عجزها، بعملتها التي ألزمت العالم بها، بينما لبنان يحتاج إلى نحو 15 مليار دولار سنوياً لتسديد إنفاقه ومستورداته وديونه، ما يدفعه دائماً إلى المؤسسات الدولية، وهي أكبر جريمة يرتكبها اللبنانيون بحق بلدهم، وتعد أهم الأخطار التي تواجهه، بدليل أنهم لا يخافون من شيء سوى من مؤسسات التصنيف الدولية.
ولتطويق هذه التداعيات والتقليل من خطورتها وتكلفتها الباهظة، تحرك لبنان باتصالات مع الدول الشقيقة والصديقة، لمساعدته على«تعويم» ماليته، وإنقاذ اقتصاده، وإذا كان قد حصل على دعم البنك الدولي وصندوق النقد لتنفيذ مساعدات «سيدر» التي توفر له 11.5 مليار دولار، فقد حصل أيضاً على دعم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، كذلك أجرى حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، سلسلة اتصالات مع عدد من العواصم العربية والأجنبية، في محاولة منه لاستدراك أي خطر ممكن على الوضع النقدي الذي يقع تحت ضغط التشنجات السياسية. وتشير بعض المعلومات إلى وعود إيجابية لدعم احتياطي البنك المركزي بإيداع مبالغ لتوفير الاستقرار الدائم لسعر صرف الليرة، شرط ألا يتم تحويل هذه المبالغ لتسديد مستحقات مالية مترتبة على الدولة، مع تشديد الحرص لتكون بعيدة عن ملف العقوبات الأميركية المفروضة على قنوات تمويل حزب الله.
لا شك في أن «الثقة»، تشكل العنصر الأساسي في اللعبة الاقتصادية، وقد فقدها لبنان، وعليه أن يستعيدها بتحقيق عوامل عدة، منها: الاستقرار السياسي والأمني، تداول السلطات، قضاء مستقل، قوانين عصرية، موازنة سنوية نافذة وخطط اقتصادية، ومكافحة الفساد ووقف الهدر المالي.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.