اعتادت الجماعات الدينية طالبة السلطة، وفي مقدمتها «الإخوان» طيلة تاريخها، التحايل على الناس والالتفاف على القضايا الكبرى التي تواجه المجتمعات، لاسيما في المجال السياسي، فمثلا هناك كثير من التصورات والممارسات السياسة لـ «الإخوان» تدل على أنهم أخذوا بالديمقراطية كمرحلة عابرة لأن تنظيرهم السياسي جافاها، ثم حاولوا تكييفها مع تصورهم الذي يجافي جوهرها، وقصروها على الجوانب الإجرائية المتعلقة بالانتخابات رافضين تقديم أي تصور حقيقي عنها كمنظومة قيم وسياق ثقافي مدني.
وينطبق الأمر نفسه على الحسبة، إذ يدور حولها فكر «الإخوان»، دون أن يسمي الأمور بمسمياتها كما تفعل الجماعات والتنظيمات الأخرى التي تجاهر بأنها تريد تطبيق الحسبة، ولا تنتظر أن تكون في السلطة حتى تقوم بهذا، بينما لم ينطق «الإخوان» شيئاً من هذا القبيل، وظلوا يتحينون فرصة الحكم.
وفي كثير من كتاباتهم وتصرفاتهم، وما باح به الخارجون على الجماعة، يتبين أن «الإخوان» لا يجدون أي حرج أو غضاضة أو حرمة لخداعهم الآخرين، إذ يعتبرون أنفسهم في حالة حرب مفتوحة ضد الكل، وإنْ اختلفت درجة خصومتهم أو عداوتهم لهم، وبذا فإن الكذب عليهم مباح، والمداراة عنهم واجبة، والمراوغة منهم ضرورة، والتحايل عليهم أساس.
ويقدم «الإخوان» في موقفهم هذا تبريرات مستمدة من مواقف ومرويات قديمة، يتم تأويلها لخدمة مسلكهم الحالي، وهي تقوم على افتراض خاطئ بالأساس، إذ إن هذه الأسانيد تخص سياقاً مختلفا، وتنصرف في مبناها ومعناها إلى الظروف التي يكون فيها المسلمون في حالة حرب ضد أعدائهم، وبعضها معروف حتى لدى قادة عسكريين في مختلف الثقافات والأزمنة، وليس في الحالات التي مرت بها الجماعة والتي لا يمكن يتجاوز وصفها حتى في أيام ذروتها سوى أنها منافسة أو صراع على السلطة السياسية، وليست حرباً بأي حال من الأحوال.
كما أن حديث «الإخوان» عن أنهم في حرب دائمة، لتبرير الخداع، يتطلب من منظري الجماعة وقادة الرأي فيها بناء حجة أو ذريعة تنطلي على أتباعهم، ولا يمكن أن يتم هذا البناء إلا بخلع أوصاف الأعداء الألداء على المنافسين السياسيين لـ«الإخوان» في الساحة الاجتماعية، وأحيانا ينسحب هذا على المجتمع بأسره، الذي يتهمه «الإخوان»، لاسيما في أوقات صدامهم مع السلطة السياسية، بأنه مجتمع متواطئ، ما يعني أن يدخل في دائرة من يجب خداعهم.
وحتى تكون «خدعة الحرب مبررة» كان لا بد لـ «الإخوان» من أن يُشعروا أتباعهم أنهم يضاهون في السمات والقسمات والخصال والمقاصد الصحابة الذين التفوا حول الرسول (ص) وناصبهم مشركو مكة العداء، فها هو مؤسس الجماعة يقول للأتباع: «كلما وُجدتُ مع الإخوان في حفل شعرتُ بخاطر. هذا الخاطر هو المقارنة بين عهدين لدعوتنا: عهدها الأول حين قام الرَّسول صلى الله عليه وسلم وحده يُجاهد منفرداً، وعهدها الثاني عهد انبعاثها على أيديكم، أنتم أيها الإخوان، فقمتم تجددون العهد، وتحشدون القوى، وتبذلون الجهود حتى يرجع للدعوة شبابها، وتكتمل قوتها». ولذا لم يكن من المستغرب أن يأتي سيد قطب من بعد ليصف كل من ليسوا من أتباع البنا بأنهم جاهليون.
وإمعانا في الخداع يقول فتحي يكن أحد قادة الإخوان في لبنان: «لا يمكن أن تكشف الحركة عن مخططاتها، لأن ذلك جهل بالإسلام، وتعريض الحركة لمكر الأعداء، والقاعدة التي تُبْنَى عليها علانية العمل وسرية التنظيم.. النبي قال الحرب خدعة، ولا بد أن يتصرف أعضاء الإخوان طبقًا لهذه المقولة»، وفي هذا كذب صريح على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد استعمل «الإخوان» طيلة الوقت مبدأ «علانية العمل وسرية التنظيم»، فكانوا مثلا يقولون على الملأ إنهم موجودون في مختلف الأوساط، لكن لا يكشفون عن المنتمين لهم، ولا عن الاجتماعات التي يعقدونها في الخفاء، وكانوا يطلقون فرق الكشافة للتدرب على السلاح في الصحراء، بل كانت الجماعة تطلب من أعضائها الشباب الالتحاق بصفوف القوات المسلحة في أي بلد عربي ومسلم لمثل هذا التدريب دون أن يصرحوا بانتمائهم لـ«الإخوان» ولاكتمال الخديعة كانت الجماعة تعلن دوماً أن أبناءها محرومون من أداء الخدمة العسكرية كنوع من التمييز السلبي ضدها.
*روائي ومفكر مصري