مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، بأشكالها وأنماطها المختلفة والمتعددة، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لمليارات البشر، وخصوصاً المراهقين والذين أصبحت تلك الوسائل مكوناً مهماً ورئيساً من نشاطاتهم الاجتماعية اليومية، وإحدى أهم السبل في تواصلهم مع الآخرين. وبالنظر إلى حجم الوقت الذي يقضيه أفراد هذه الطائفة العمرية على مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي بأنواعها، خضعت تأثيراتها البدنية والنفسية، وتبعات استخدامها اليومي لفترات طويلة لاهتمام المراكز العلمية والبحثية، من خلال دراسات وأبحاث تسعى لرسم صورة كاملة عن تلك التأثيرات والتبعات، وسبر أغوارها.
إحدى تلك الدراسات، نشرت في عدد يوليو لدورية طبية أميركية مرموقة متخصصة في طب الأطفال والمراهقين (JAMA Pediatrics)، وخلصت إلى أن الإفراط في تقضية الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاهدة التلفزيون لفترات طويلة، يرتبط بأعراض الإصابة بالاكتئاب بين المراهقين، فمع كل ساعة إضافية يقضيها المراهق على وسائل التواصل أو شاشة التلفزيون، يزداد شعورهم بحدة أعراض الاكتئاب.
وتعتبر هذه الدراسة هي الأولى من نوعها، التي بحثت في مدى العلاقة بين قوة أعراض الشعور بالاكتئاب، وبين الوقت الذي يقضيه الشخص على شاشات الترفيه، سواء كان ذلك على شاشات التلفزيون، أو على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال شاشات الكمبيوترات والتليفونات المحمولة. حيث شملت قرابة الأربعة آلاف طالب، ما بين الصف الدراسي السابع والحادي عشر، يدرسون في مدينة مونتريال الكندية والمناطق المحيطة بها. وعلى مدار ستة أعوام، بين 2012 و2018، أجاب الطلاب خلال فترات دراستهم عن مجموعة من الأسئلة، لمعرفة حجم الوقت الذي يقضونه كل يوم في ممارسة ألعاب الفيديو، وفي استخدام منصات التواصل الاجتماعي، ومشاهدة التلفزيون، واستخدام الكمبيوتر. وفي الوقت نفسه شملت الدراسة أسئلة لمعرفة مدى شعورهم بأعراض الاكتئاب، مثل الشعور بالوحدة، أو الحزن، أو اليأس، مع تحديد قوة وحدة كل من تلك المشاعر السلبية.
وما اكتشفه الباحثون خلال سنوات الدراسة، هو وجود علاقة طردية، بين الإفراط في استخدام منصات التواصل الاجتماعي والشعور بأعراض الاكتئاب، ولدرجة أن زيادة الوقت الذي يقضيه المراهق على تلك المنصات، ولو ساعة واحدة فقط في المتوسط، ترافق بزيادة مماثلة في حدة وقوة الشعور بأعراض الاكتئاب.
وكثيراً ما يترافق الاكتئاب مع الإحساس بالحزن، والقلق، والفراغ، وفقدان الأمل، وضعف الحيلة، وعدم جدوى الذات، والشعور بالذنب، مع العصبية وسرعة التهيج. وغالباً ما يفقد الأشخاص المكتئبون الاهتمام والرغبة في النشاطات التي كانت سابقاً تجلب لهم البهجة والسعادة، وقد تتأثر قدراتهم الذهنية بشكل سلبي، فيصبحون غير قادرين على التركيز، أو تذكر التفاصيل، أو اتخاذ القرارات السليمة.
ولكن على ما يبدو أن العلاقة بين الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والشعور بالاكتئاب، ليست بسيطة أو مباشرة كما يبدو للوهلة الأولى، على حسب دراسة أخرى نشرت في العدد الأخير من دورية بريطانية متخصصة أيضا في طب الأطفال والمراهقين (The Lancet Child & Adolescent Health)، وشملت 10 آلاف طفل بين سن الثالثة عشرة والسادسة عشرة في إنجلترا. وما اكتشفه القائمون على هذه الدراسة أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي، يضر بالصحة العقلية للمراهقين، وخصوصاً الفتيات، لأسباب عدة، منها، خفض وتقليل الوقت المخصص للنوم والراحة، وتدهور نوعية هذا الوقت، بالإضافة إلى إقصاء هؤلاء المراهقات عن التواصل الاجتماعي الإنساني المباشر، وبعدهن عن ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية، بالإضافة إلى تعرضهن للتنمر الإلكتروني. هذه الأسباب مجتمعة، وخصوصاً التنمر الإلكتروني، أضر بالصحة العقلية لأولئك الفتيات.
وجدير بالذكر أن تدهور الصحة النفسية أو العقلية، يرتبط بشكل وثيق بالمشاكل الصحية الأخرى، وبمسيرة عملية النمو والتطور البدني، والذهني، والنفسي، والتعليمي. أهم هذه المشاكل ربما كان إدمان المخدرات، والعنف البدني والنفسي، والفشل في تحقيق الطموحات التعليمية أو الأكاديمية، والإصابة بالأمراض الجنسية. ومن بين «كتالوج» المشاكل النفسية التي تؤدي إلى مضاعفات جسدية، وضمن أنواع الاضطرابات البدنية التي تؤدي إلى اختلالات نفسية، يحتل الاكتئاب مكانة خاصة، بسبب انتشاره الواسع بين المراهقين، وتسببه في قدر لا يستهان به من الإعاقة إذا كان مزمناً أو متكرراً، أو كونه يؤدي للانتحار في الحالات الشديدة، حيث تتميز الحالة النفسية المصاحبة للاكتئاب بانخفاض الطاقة النفسية والروح المعنوية والكره والنفور من النشاطات البدنية والذهنية والاجتماعية، بدرجة تؤثر سلباً على الأفكار، وعلى السلوك، والصحة النفسية والبدنية للمصاب.