يميل منتقدو سياسة الرئيس دونالد ترامب الخارجية إلى التركيز على هجماته على حلفاء الولايات المتحدة، أو إشادته بالأنظمة السلطوية، أو عادته المتمثلة في رفض الاتفاقيات الدولية. ولكن ثمة جانباً آخر في سياسة ترامب الخارجية لا يقل أهمية، ألا وهو افتقارها للدبلوماسية.
والدبلوماسية تقليدياً نوعان: المشاورات والمفاوضات. المشاورات هي تبادل وجهات النظر بين الحكومات، وعادة ما يتمثل هدفها في التأثير على طريقة تفكير الآخر وسلوكه أو، بشكل أكثر تواضعاً، في تقليص احتمالات المفاجأة أو سوء التقدير التي يمكن أن تكون خطيرة. هذا في حين تميل المفاوضات إلى أن تكون محدَّدة أكثر ويُنخرط فيها من أجل التوصل لاتفاق تكون فيه واجبات الأطراف واضحة.
تحت إدارة ترامب، تبدو الولايات المتحدة غير مهتمة بأي من هذين النوعين. فقد ظلت الإدارة، بشكل عام، بمنأى عن المواجهة بين الصين وهونج كونج، إذ اكتفى الرئيس بإرسال تغريدات مشفرة يعبّر فيها عن ثقته في أن الطرفين قادران على حل خلافاتهما، ويقول فيها إنهما «لا يحتاجان لنصيحة». ولكن الغائب في كلامه هو أي تشديد على حقيقة أن الصين قدّمت التزامات لبريطانيا باحترام الطابع الخاص لهونج كونج وقت تسليم الإقليم في 1997، وأننا نتوقع من الصين الوفاء بالتزاماتها. والغائب الكبير أيضاً هو اقتراحات بشأن سبل حل المواجهة بطريقة سلمية.

ثم هناك التصدع المتزايد بين اليابان وكوريا الجنوبية، بسبب مواضيع تاريخية تعود إلى فترة الاحتلال الياباني القاسي لكوريا من 1910 إلى 1945. فهذان البلدان الحليفان للولايات المتحدة، اللذان تُركا لحال سبيلهما، عالقان في حرب كلامية وحرب عقوبات. والحال أن مشاورات أميركية ربما كانت ستساعد على تضييق شقة الخلاف، حتى يتسنى القيام بتنسيق أساسي بخصوص كوريا الشمالية والصين.
أتوقع أن يقول بعض أنصار الرئيس بعد قراءتهم لهذا: ولكن ماذا عن كوريا الشمالية؟ والشرق الأوسط؟ والصين والتجارة؟
حسناً، ماذا عنها؟ الواقع أن لا شيء منها يرقى إلى مستوى الدبلوماسية، التي تقتضي دائماً درجة من الأخذ والعطاء. وبالمقابل، فإن ما نراه هو أمر للطرف الآخر بالاستسلام.
ومن هنا جاء الأمر بأن تقوم كوريا الشمالية بالتجرد من أسلحتها النووية بشكل كامل. غير أنه لا احتمال لأن يتخلى كيم جونغ أون عن أسلحته النووية، لأنه يؤمن بأنها تضمن أمنه وأمن بلده. فقد رأى «كيم» ما حدث لأوكرانيا بعد أن تخلت عن الأسلحة النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي ورأى مصيري صدام حسين ومعمر القذافي. والحال أن الدبلوماسية تقتضي نوعاً من الاتفاق المؤقت، الذي تقوم بموجبه كوريا الشمالية بتفكيك بعض المنشآت وقبول قيود على ترسانتها في مقابل قدر من تخفيف العقوبات. شيء في مقابل شيء.
كما أن المقاربة الأميركية الحالية تجاه النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني جد منحازة، لدرجة أنها لا ترقى لأن تُدرج ضمن الدبلوماسية. ذلك أن هذه الإدارة الحالية قطعت المساعدات عن الفلسطينيين، ونقلت السفارة الأميركية إلى القدس، واعترفت بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان. وبالمقابل، ليس ثمة أي دعم لدولة فلسطينية أو قيود على المستوطنات الإسرائيلية. والخطر هو أن هذا الانحياز الواضح لإسرائيل لن يكون في مصلحتها في حال لم تعد يهودية ولا ديمقراطية.
ومع إيران، هناك اتفاق ممكن من شأنه تمديد القيود على ما تستطيع إيران فعله في المجال النووي، في مقابل تخفيف بعض العقوبات. غير أنه لا يمكن بحث هذا طالما أن إدارة ترامب تبدو عاقدة العزم على تغيير النظام في طهران والعقوبات هي دبلوماسيها الأول.
والحق أن المفاوضات مع «طالبان» يمكن أن تندرج ضمن الدبلوماسية. ولكن المشكلة أن الإدارة تبدو مهتمة بالانسحاب الأميركي أكثر من اهتمامها بالسلام. ولهذا، فإن النجاح الدبلوماسي الممكن الوحيد قد يفضي إلى فشل استراتيجي.
غير أن هذا يمثل الاستثناء. ذلك أنه في معظم الأحيان تتحاشى الإدارةُ الحالية الدبلوماسيةَ وتتبنى العقوبات والرسوم الجمركية. والحال أن ثمة حدوداً لما يمكن أن تحققه هذه الأخيرة، ثم إن الكثير منها يؤذي المستهلكين والشركات الأميركية. ومن دون دبلوماسية، فإن المصالح الأميركية في العالم ستتضرر، والضغوط من أجل استخدام القوة العسكرية ستزداد، أو كليهما معاً.
*رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي في نيويورك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»