في مساء السبت الماضي، فجَّر رجل قنبلةً في قاعة زفاف مزدحمة في كابول، ويقول الشهود إن ألف مدعو على الأقل كانوا مجتمعين في قاعة أفراح عند الساعة 11 مساءً عندما انفجرت القنبلة، وقال أحد المدعوين: «لقد كان يشبه يوم القيامة»، وقالت وزارة الداخلية إن 63 شخصاً على الأقل قتلوا وأصيب أكثر من 180 آخرين.
ويعد هجوم السبت أحد أسوأ الاعتداءات على المدنيين في الصراع الأفغاني، ويأتي في وقت محفوف بالخطر بالنسبة للبلاد، فالولايات المتحدة تخوض محادثات سلام مع حركة «طالبان» المتطرفة، التي تقاتل منذ إجبارها على الخروج من السلطة بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2001.
إن أي صفقة مع «طالبان» قد تكون الخطوة الأولى لإنهاء المهمة العسكرية الأميركية في أفغانستان، والتي استمرت لعقدين تقريباً، لكن ثمة شكوك حول التزام «طالبان» بالسلام، وقد اعتقد البعض في البداية أنها وراء هجوم السبت الماضي، لكن في يوم الأحد، أكدت «داعش»، وهي جماعة منافسة لـ«طالبان» وليست طرفاً في المحادثات الحالية، مسؤوليتها عن التفجير، وقال «زلماي خليل زاد»، المبعوث الأميركي لمحادثات السلام، إن الهجوم أظهر أهمية إبرام اتفاق سلام مع «طالبان»، ويرى خليل زاد أن التوصل لاتفاق سلام مع «طالبان» سيمكّن الحكومة الأفغانية من محاربة «داعش» في أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، أشار الهجوم إلى مدى صعوبة تحقيق سلام دائم في بلد منقسم ومجروح مثل أفغانستان، ورغم إدانة «طالبان» لهجوم السبت، فإنها نفذت هجمات انتحارية استهدفت مدنيين في كابول، منها انفجار سيارة مفخخة أسفر عن مقتل 45 شخصاً وإصابة 145 آخرين، بالإضافة لهجوم مسلح على مكتب حزب سياسي أودى بحياة 20 شخصاً وأصاب 50 آخرين.
ورغم أن كلا من «طالبان» و«داعش» تزعمان اعتناقهما معتقدات سنية محافظة، فإن لديهما أيديولوجيات وتكتيكات متباينة؛ فـ«طالبان» تركز داخلياً على أفغانستان، أما «داعش» فهي جماعة ذات توجه دولي تشكل هجماتها الوحشية على المدنيين جزءاً أساسياً من استراتيجيتها، وقد انهارت «الخلافة» التي أعلنتها «داعش» في سوريا والعراق بعد حملة عسكرية شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، لكنها ما زالت تنشط، ويقال إنها على وشك إعادة التشكل هناك، وبنفس القدر من القلق، برز الفرع التابع للجماعة في أفغانستان في الأشهر الأخيرة، ورغم أنه كان في الأصل مجرد حفنة من المقاتلين الأفغان والباكستانيين، فإن الخبراء يعتقدون الآن أن لديه آلاف المقاتلين في عدد من الدول.
وفي ظل التهديد الذي تمثله «داعش»، يرى مسؤولون أميركيون أن «طالبان» يمكن أن تصبح حليفة في الصراع ضد «داعش» في أفغانستان، لكن الرئيس الأفغاني «أشرف غني» قال الأحد الماضي، إن «طالبان» تتحمل بعض اللوم عن الهجمات ضد المدنيين، لأنها توفر «منصة للإرهابيين».
وترفض «طالبان» التحدث إلى «غني»، الذي تدعي أنه دمية أميركية، ورغم أنه يُتوقع بدء المحادثات بين الأفغان بعد التوصل إلى اتفاق بين «طالبان» والأميركيين، فإن سرية هذه المحادثات أثارت الشكوك لدى الكثيرين: هل تريد الولايات المتحدة مغادرة أفغانستان بأي ثمن؟
لقد تحدث الرئيس ترامب، منذ فترة طويلة، عن رغبته في إخراج القوات الأميركية من أفغانستان، وفي ديسمبر الماضي، كان من المفترض أن يناقش سحب نصف القوات الأميركية، ويرى النقاد أن هذا قد قوض نفوذ خليل زاد في المحادثات مع «طالبان».
وبموجب المحادثات الحالية، سيتم سحب 5000 جندي أميركي من إجمالي 14000، مقابل تخلي «طالبان» عن تنظيم «القاعدة» المتطرف ومنعه من العمل في مناطق سيطرتها، ومن شأن هذه الخطوة أن تجعل الولايات المتحدة تعلن الانتصار الجزئي في حرب بدأتها بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.
*كاتب بريطاني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»