لا شيء أوقع أثراً من الصعود الساخن لصيف صحراوي عبر أوروبا والولايات المتحدة ليجعل العقول تركز على التأثيرات الواقعية لتغير المناخ، وخاصة مع صدور عدد من التقارير الجديدة التي توضح مدى تأثير ارتفاع درجة حرارة الكوكب أثناء موجة الحر غير المسبوقة.
لكن حدثاً آخر بعد أيام قليلة من موجات الحرارة القياسية في أوروبا والولايات المتحدة لم يلق إلا اهتماما ضعيفا من الإعلام. فقد تحطمت سفينة في البحر المتوسط قبالة ساحل ليبيا. وتسبب التحطم في مقتل عشرات اللاجئين اليائسين اقتصادياً والفارين من دول أفريقية تعاني- في غمرة ارتفاع سنوي مطرد لدرجات الحرارة- من نوبات مدمرة من الجفاف والأعاصير المفاجئة. وهذه الظروف المناخية تمثل نوعاً من «الأحداث المتطرفة» التي توقع علماء مناخ أنها ستصبح أكثر تكراراً. وإهمال خبر التحطم كشف عن الحال الراهن للجدل بشأن تغير المناخ في الدول المتقدمة في الغرب. فقد اتسع قبول حقيقة ارتفاع حرارة الكوكب، لكن السياسة مازالت أكثر تعقيداً وتناقضاً.
وفي قلب الأحجية السياسية تكمن قضيتان متشابكتان. القضية الأولى هي الظروف المناخية الوخيمة التي تواجه بعضا من أكثر المناطق الزراعية فقراً في العالم الأقل تقدماً سواء في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى أو في أميركا الوسطى. والقضية الثانية هي العدد المتزايد من سكان هذه المناطق المستعدين للمغامرة بكل شيء أملاً في العثور على ملاذ في أوروبا أو الولايات المتحدة.
والأولويات واضحة للغاية لدى المنظمات الدولية الخيرية وجماعات الدفاع عن الحقوق التي تعمل في أفريقيا أو أميركا الوسطى. فهم يدافعون عن الحاجة إلى مسعى جيد التمويل والتوجيه لمساعدة الملايين في المجتمعات الريفية التي يهددها الفقر وضعف الصحة أو المجاعة التامة. وبعضها يريد أن تدعم الأمم المتحدة فكرة إضافة طائفة جديدة من اللاجئين المقبولين دولياً وهم لاجئو المناخ. وتشير وجهة نظرهم إلى أن المسعى المنظم للتعامل مع المشكلة يمثل خطوة محورية في أي استجابة طويلة الأمد لقضية الهجرة الأوسع نطاقا.
أما المعارضون فيرون أنه ما زال يتعين إثبات أن تغير المناخ هو المحرك الأساسي لارتفاع عدد اللاجئين الذين يطلبون ملاذاً آمنا في أوروبا أو الولايات المتحدة، وهم مصيبون في إشارتهم إلى عوامل أخرى مثل تزايد عدد السكان والصراع المدني أو عنف العصابات وسوء أساليب الحكم وطول أمد إساءة إدارة الموارد.
وصورة الواقع أوضحتها سلسلة تقارير خاصة لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» عن المجاعة في أفريقيا عام 2017 ومجموعة تقارير عن أفريقيا للصحفي توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» قبل ذلك بعام. وهذه الصورة للواقع لا تترك مجالاً للشك في أن تطرف المناخ لعب دوراً رئيسياً في الصعوبات الاقتصادية التي دفعت عدداً يتزايد إلى الفرار شمالًا. والواقع أن تقريراً جديداً للأمم المتحدة يؤكد على هذه النقطة مشيراً إلى أن تغير المناخ سيتسبب على الأرجح في نقص الغذاء مما يحفز على الهجرة عبر الحدود.
والبيئة السياسية العالمية الحالية تمثل التحدي المحوري الذي يواجه من يسعون إلى تحرك دولي منسق. فقد أصبحت التحالفات والمنظمات متعددة الدول أكثر هشاشة مع صعود مزيج من القومية والشعبوية. والأولوية للحكومات الغربية الكبيرة أصبحت الهدف الأقصر أمدا المتمثل في منع وصول الأعداد الكبيرة من المهاجرين إلى حدودها. وبذل الاتحاد الأوروبي- من خلال برامج مثل صندوق تحوط الطوارئ لأفريقيا- جهدا لاستخدام الدعم الاقتصادي وبرامج التدريب لوقف تدفق اللاجئين من بلدانهم الأم. لكن تركيز الاتحاد الأوروبي يتم إلى حد كبير عبر الحكومات للحيلولة دون وصول الفارين من أفريقيا إلى السواحل الأوروبية.
وكرست الولايات المتحدة جهودها لتطوير الممر الجاف في دول أميركا الوسطى-هندوراس والسلفادور وجواتيمالا- وتقديم المساعدة المالية لها. لكن ترامب جعل منع الهجرة إلى الولايات المتحدة محور رسالة إدارته السياسية ومحور مسعاه للحصول على فترة ولاية ثانية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الأشخاص الأصغر سناً في الغرب أكثر قلقا من تغير المناخ مع ظهور معلومات تثير القلق بشكل أكبر. لكن تركيز أوروبا والولايات المتحدة مازال ينصب على انبعاثات الكربون الخاصة بها وليس على الدول التي يفر منها عدد كبير من المهاجرين.

نيد تيمكو

*كاتب وصحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»