قرر بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الجديد، تنفيذ «البريكست» (خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي) الذي صوّت لصالحه البريطانيون في يونيو 2016، بحلول الحادي والثلاثين من أكتوبر المقبل على أكثر تقدير. والحال أنه من المستبعد أن يقبل الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في بنود الاتفاق الذي توصل إليه مع تيريزا ماي التي لم تستطع إقناع البرلمان البريطاني بتبنيه رغم محاولاتها العديدة، الأمر الذي دفعها للاستقالة في نهاية المطاف. ذلك أن البلدان الأوروبية تعتبر أنها ذهبت في تنازلاتها للبريطانيين إلى أبعد حد، وأن هؤلاء لا يبدون أي انفتاح أو انسجام.
جونسون، الذي يفضل التضامن مع دونالد ترامب، ويَعتبر أن موقفه قوي بذلك، يقول إنه مستعد للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون أي اتفاق، آملاً أن يدفع تصميمه الأوروبيين إلى الرضوخ. غير أن ذلك مستبعد، لأنه إذا كانت لدى الأوروبيين الكثير من المواضيع المثيرة للخلاف والانقسام، فإن هذا موضوع لا يختلف عليه عضوان داخل الاتحاد. إنه موقف يقوم على الصرامة والتضامن تجاه لندن في المفاوضات حول البريكست.
واللافت أنه كثيراً ما يتم عقد مقارنات بين ترامب وجونسون. صحيح أن ثمة أوجه شبه عديدة بين الرجلين، مثل طابعهما المتقلب، ورغبتهما في عدم التحرج من بعض الأمور، وطريقتهما الخاصة جداً في التفاوض (وتتمثل في فرض وجهة النظر الخاصة بأحدهما وعدم إلقاء بال لوجهة نظر الآخرين). وإلى ذلك، فإن الرجلين يعوّلان على شخصيتيهما المتفردتين من أجل التغلب على شركائهما، أو بالأحرى الأشخاص الذين أمامهما، لأنهما لا يعتبرانهما شركاء حقاً. ويذكر هنا أن ترامب كان قد عبّر عن سعادته بصعود جونسون إلى السلطة.
غير أن ثمة فروقاً بين الرجلين. والفرق الأول هو أن جونسون يُعد منتجاً خالصاً للنظام البريطاني ولنخبته التقليدية، وإنْ كان يحاول الإيحاء بأنه قادم من خارجها، هذا بينما بنى ترامب نفسه خارج النظام السياسي الأميركي. لكن الفرق الآخر أكبر وأهم: فجونسون لا يوجد على رأس القوة العالمية الأولى على عكس ترامب.
والواقع أن الأوروبيين، ووفق عادة استراتيجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، متعودون على شكل من أشكال الاعتماد على الولايات المتحدة، التي حمتهم من التهديد السوفييتي، وهما عادة واعتماد غير موجودين في حالة المملكة المتحدة. فترامب يمكن أن ينجح في فرض وجهة نظره على مخاطبيه، بسبب الهيبة التي تثيرها قوة بلده في قلوبهم. لكن لا شيء من ذلك يوجد في حالة المملكة المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن لندن كانت دائماً على هامش البناء الأوروبي، حيث لعبت دوراً أشبه بالمكبح منه بالمحرك. وبالتالي، فإن وسائل الضغط لدى لندن وواشنطن لا تتشابه في شيء. ذلك أن الأولى ضعيفة، في حين أن الثانية قوية للغاية.
وعليه، فقد تكون صدمة الواقع قوية للغاية بالنسبة لجونسون. فتهديداته يمكن أن تتوقف فجأة ويتضح أنها تأتي بنتائج عكسية. والواقع أن حالة عدم اليقين باتت تخيم على الاقتصاد البريطاني منذ بعض الوقت. فالمستثمرون انفضوا، ومعدل صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار واليورو انخفض كثيراً، ليؤثر بذلك على قدرة البريطانيين الشرائية.
وإذا كان ديفيد كامرون قد دخل التاريخ باعتباره رئيس الوزراء البريطاني الذي جرّ على بلاده واحدة من أعظم الكوارث، بسبب الإخفاق الذي مني به في الاستفتاء حول بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي من عدمه، فإن بوريس جونسون يمكن أن يتعداه في هول الكارثة وجسامتها، وذلك من خلال تنفيذ بريكست في ظروف لا تصب في مصلحة لندن. فبريكست، وبدلاً من أن يجلب للمملكة المتحدة الرخاء الموعود، يمكن أن يؤثّر بشكل خطير على اقتصادها. هذا ناهيك عن إعادة الفتح المحتملة للمطالبة الأسكتلندية بالاستقلال (أستكتلندا تريد البقاء في الاتحاد الأوروبي) وللنقاش حول الحدود بين الإيرلنديتين. وعليه، فالخطر هو أن تخلق البريكست الظروف لمملكة غير متحدة، وبالتالي ضعيفة ومفتقرة للقوة.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس