بعد تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تنوعت مساراتها لتشمل مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. علاقات قوية أسس دعائمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، وكان من أهمها التنسيق السياسي والأمني في العديد من القضايا ومنها دعم حق الإمارات في قضية الجزر الثلاث المحتلة، ومواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة العربية، وفكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، ودعم شرعية الحكم في الكويت في مواجهة الغزو العراقي.
وتعززت هذه العلاقة لتصل إلى أوجها في فترة ما يسمى«الربيع العربي» في عام 2011، عندما سادت أجواء الفوضى في تونس وليبيا ومصر. ولمواجهة هذا الخطر، أدت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دوراً سياسياً نشطاً لدعم الاستقرار ومكافحة الفوضى والإرهاب والتدخلات الخارجية في ليبيا واليمن والبحرين. فالتهديد الأيديولوجي القادم من فوضى «الربيع العربي» الذي بدأ يظهر أواخر عام 2010 في المنطقة العربية أدى إلى تنسيق سياسي وأمني بين الإمارات والسعودية لاحتواء تداعيات الفوضى والرؤى التفكيكية للمنطقة. فالجارة إيران تُشكل بسياساتها تهديداً حقيقياً لأمن مجلس التعاون الخليجي، وهو مصدر دعم أيديولوجي ومادي للأقليات الشيعية التي تعيش في دول مجلس التعاون الخليجي. وكذلك إيران تدعم الأقليات الطائفية في سوريا و«حزب الله» في لبنان وميليشيات شيعية في العراق و«الحوثيين» في اليمن وتثير توترات في البحرين...الخ، مما أدى إلى اضطرابات طائفية في دول مجلس التعاون الخليجي وتهديدات أمنية على حدود دول الخليج.
ويوفر التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية دليلاً على أعلى درجات التنسيق بين البلدين، والذي ظهر بوضوح في «عاصفة الحزم» من أجل عودة الشرعية إلى اليمن. وفي إطار هذا التحالف، وضعت الدولتان سياسات متوافقة لصد الخطر الخارجي، الذي يهدف للسيطرة على اليمن، وتأجيج الخلافات الطائفية والمذهبية لخدمة أهداف خارجية.
وظهر تهديد من نوع آخر يخلط بين الأيديولوجية والسيطرة السياسية وهو الإسلام السياسي، تهديد دفع بالتنسيق السياسي والأمني بين البلدين خاصة بعد صعود «الإخوان» إلى سدة الحكم في تونس ومصر، جراء فوضى «الربيع العربي»، إلى مستويات أعلى. وقد وصف الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي السابق، جماعة «الإخوان» بأنها «مصدر كل مشاكل العالم الإسلامي».
ومن التوافق في السياسات الخارجية للبلدين قرار دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سحب سفير كل منهما من الدوحة، احتجاجاً على دعم قطر لجماعة «الإخوان» والتنظيمات الإرهابية. فقد شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تحدياً آخر متمثلا في صعود تنظيم «داعش» لإنشاء «خلافة إسلامية» مزعومة. وهذا التنظيم- المدعوم من تنظيمات إرهابية- استطاع إلى حد ما السيطرة في صيف عام 2014 على أراضٍ في كل من سوريا والعراق، وقد نُظِر إليه من قبيل كل من السعودية والإمارات، على أنه يشكل تهديداً وجودياً وأيديولوجيا. ولهذا السبب قررت الدولتان الانضمام إلى التحالف المناهض لتنظيم «داعش» في سوريا والعراق. وقامتا بدور محوري في التنسيق الإقليمي ضد الإرهاب.
وتظهر متانة هذه العلاقات في الوقت الحاضر، من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي لمواجهة التحديات الخارجية التي تعصف بمنطقة الخليج، والذي يعتبر خطوة فعالة ومهمة لتوسيع آفاق ومستويات التنسيق والتعاون والتكامل بين البلدين في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية. ويشير سفير المملكة العربية السعودية في دولة الإمارات تركي الدخيل بأن الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي أثمر توقيع 20 مذكرة تفاهم ترجمت في المشروعات الاستراتيجية المشتركة البالغ عددها 44 مشروعا في إطار«استراتيجية الحزم»، وأن إنشاء هذا المجلس سيدفع إلى المزيد من التنسيق في المواقف الثنائية للتعامل مع القضايا الخارجية.