شهدت الولايات المتحدة حدثَي عنف «فرديين» بكل من تكساس وأوهايو. وهذه المرة لم تتحير الإدارة الأميركية في التوصيف طويلاً، إذ اعتبرت العنف الفردي هذا إرهاباً محلياً. وقد كان ذلك تابو من قبل حدث نيوزنلندا، إذ لا يُطلقُ الإرهاب على العمل العنيف إلاّ إذا كان المرتكبُ مسلماً. وقد أقبلت رئيسة وزراء نيوزيلندا قبل شهور على كَسْر هذا التابو عندما اعتبرت الرجل الأسترالي الذي قتل أكثر من خمسين في مسجدين، إرهابياً عالمياً! لقد تعددت أحداث العنف الهائل من غير المسلمين في الأعوام الأخيرة. وبعضها ضد المسلمين، وبعضها الآخر ضد غير المسلمين. أما التردد في التوصيف فله عدة أسباب، بعضها موضوعي وبعضها الآخر ذاتي ومتحيز. فقد أقبل الجميع تقريباً على إطلاق لقب إرهابي على المسلم الذي يقوم بعملٍ عنيفٍ باسم الدين أو بدوافع دينية. وقد بلغ ذلك درجة الرمزية بعد الهجوم على برجَي التجارة العالمية في سبتمبر 2001، ثم في أعمال «داعش» خلال العقد الأخير، بحيث بدت جرائم أُخرى ضئيلةً وصغيرةً أو أن دوافعها ليست على نفس الدرجة من الوضوح. ومنذ عقدين، تقع جرائم كبرى لضخامة عدد الضحايا، إنما كان يقال إنّ القاتل مريض نفسياً أو أنه عنصري لكنه فردٌ وليس تنظيماً. وبدأ التحول من ناحيةٍ أُخرى، من ميانمار(بورما)، حيث يشنُّ الجيش هناك حملة تهجيرٍ ضد الأقلية المسلمة، والحجة أنهم بنغاليون وأنّ ديانتهم عنيفة! وبعد تردد اعتبر المجتمع الدولي أعمال الجيش البورمي إرهاباً. كما لاحظت مؤسساتٌ دوليةٌ أنماطاً من التعامل بحق الأقليات المسلمة في عدة دول باعتبارها تمييزية.
لكن ماذا نسمّي عمل النيوزيلندي الأسترالي، وعمل الأميركيين يوم الإثنين الماضي؟ هل نسميه إرهاباً مسيحياً؟ بالطبع لا، لأن هؤلاء يمينيون قوميون متعصبون، وليسوا معروفين بالتدين، وإن استعملوا الرموز المسيحية أحياناً، فهم يستعملون شعارات خليطاً بين العنصرية البيضاء والمسيحية العتيقة، الخائفة على هوية الغرب.
لقد ترافق العنف اليميني مع صعود التيارات والأحزاب اليمينية الشعبوية. وهي تحقق نتائج في الانتخابات، وتصل للحكم بالمشاركة أو بالانفراد. والسؤال هو: لماذا تحتاج للعنف ما دام يمكنها الوصول إلى السلطة بلا عنف، وفرض برنامجها المعادي للهجرة، والمعادي للتجنيس، والكاره للإنفاق على البرامج الاجتماعية بالداخل؟
هناك فريق كبير من الاستراتيجيين يرون في مقولة المرض النفسي استسهالا لا ينبغي قبوله. إدارة أوباما ما كانت تحب الحديث عن الإرهاب الإسلامي كثيراً، بل تفضّل الحديث عن التطرف العنيف. وذلك باعتبار أنّ النظرة الضيقة، دينياً وإثنياً، هي التي تدفع لاستعمال العنف ضد الآخر المختلف. فاليمينيات الصاعدة، وبعضها يمتلك آراء فاشية وعنصرية حول الأعراق والأديان والأحزاب، متطرفة باعتراف الكثيرين، لذلك لا يبعُدُ أن يخرج من صفوفها عنيفون وإرهابيون. وبالطبع فإنّ منع السلاح عن الجميع يقلّل من الجرائم على أيدي المرضى النفسيين والمحترفين والعصابات المسلَّحة، لكنّ جرائم العنصرية والكراهية باسم العرق الصافي أو الدين الحق لن تقلّ، بل ستزداد، وذلك لأنّ هذه الأيديولوجيات الضيقة هي السائدة في الأجواء العالمية. وقد صارت سياساتٍ في بعض الدول، وإن لم تكن معلنة. فقرار الرئيس ترامب في مطلع رئاسته منع دخول مواطني ست دول (معظم سكانها مسلمون) أثارت استياءً لدى المسلمين. وكذلك يمكن الحديث عن سياسات مماثلة في عشرات الدول اليوم، وإن اعتُبرت شرعية لأنها صارت قوانين في البرلمانات المنتخبة.
لا شكّ أنّ المسلمين ما يزالون هم «الشاة السوداء»، وبخاصةٍ بعد امتداد موجة اضطهادهم إلى آسيا، وفيها نصف مسلمي العالم. بيد أنّ الظواهر التمييزية والعنصرية تجاوزت، هولاً وحدوداً، السوداوية والكراهية ضد المسلمين إلى «الآخر»، أيُّ آخر، وهو قد يكون مسلماً في فرنسا أو أفريقيا أسود في أميركا أو مسيحياً في الصين أو بوذياً أو مسلماً في الهند أو أصفر في إندونيسيا.. استناداً إلى هذا كله تأتي ضرورة التسامح!

*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت