السؤال عن الدور الذي سيلعبه الاقتصاد في مسعى ترامب لإعادة انتخابه عام 2020، يعد من النقاط المهمة في السياسة المتعلقة بالسباق الرئاسي. والنهج المعتاد لتحليل هذا السؤال يتمثل في النظر إلى التوجهات في المؤشرات المجمعة مثل الإنتاج المحلي الإجمالي والوظائف والأجور والتضخم. لكن هذا النهج ليس كافياً في حالة ترامب. فكي نفهم اقتصاد ترامب وتأثيره في الانتخابات، يتعين أن نتجاوز أرقام العناوين الرئيسة، وننظر إلى ما فعله في مصلحة الأسر الهشة اقتصادياً، التي أعلن أنه يكافح من أجلها. وفي هذه الساحة يمكن النيل من ترامب فيما يتعلق بالاقتصاد.
وحتى المؤشرات التقليدية ربما تكون أكثر تبايناً بالنسبة لترامب مما قد يعتقد المرء إذا اقتصر نظره على التوسع طويل الأمد الذي آل إليه أو إلى معدل البطالة القومي المنخفض البالغ 3.7%. صحيح أن المرء إذا استخدم هذه الأرقام في معظم نماذج التنبؤ بنتيجة الانتخابات، فسيجد أنها تدعم ترامب كثيراً. لكن هناك عاملين على الأقل يخففان من تأثيرها.
أولهما: الاقتصاد بطيء الحركة إجمالاً. ونمو الإنتاج المحلي الإجمالي شهد انخفاضاً من 3% إلى 2% في العام ومتوسط المكاسب الشهرية للوظائف حتى الآن من العام الجاري، والتي بلغت 165 ألف وظيفة أقل من مستويات العام الماضي البالغة 223 ألف وظيفة. وزيادة الأجور توقفت هذا العام بعد أن تزايدت عام 2018.
ثانياً: حرب ترامب التجارية المتصاعدة تضر بالاقتصاد الذي يشيد به. فالحرب التجارية تجلب خسائر دون مكاسب تقريبا على مستوى الاقتصاد الكبير والصغير. وإلى جانب الإضرار بسوق الأسهم، فهي لا تساعد على خفض العجز في الميزان التجاري الذي أصبح أكبر قليلاً في فترة ولاية ترامب لأن الحروب التجارية تميل عادة إلى الإضرار بالصادرات والواردات على السواء. والصادرات، كنسبة من الإنتاج المحلي الإجمالي، في أدنى المستويات فيما يقرب من عقد. وفرض الرسوم على الصين كلف الأسرة الأميركية المتوسطة أكثر من 400 دولار العام الماضي. وكان هذا قبل أحدث خطط الرئيس لزيادة نطاق هذه الرسوم بشكل كبير، كما أن الجولة التالية ستطال بشكل مباشر عدداً كبيراً من السلع الاستهلاكية.
ولفهم حقيقي لمواضع فشل ترامب في الاقتصاد، يتعين تجاهل التوجهات الإيجابية في الاقتصاد الكبير والنظر إلى سياسات ترامب بدلاً من هذا. ففوق السطح، هناك سياسات واضحة للغاية. اثنتان منها تبرزان في هذا السياق، وهما محاولات ترامب و«الجمهوريين» التي لم تفلح في إلغاء قانون الرعاية الصحية الميسورة ونجاحهم في تقليص الضرائب. والسياسة الأولى أضرت بوضوح بـ«الجمهوريين» في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. وكان من شأن مسعى «الجمهوريين» في هذا الصدد أن يزيد عدد الأشخاص الذين بلا تأمين صحي بما يزيد على 30 مليون شخص، جميعهم تقريباً من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة. وتقليص الضرائب يمضي في عملية توزيع للدخول تذهب بها بنسبة أكبر إلى الطبقات العليا ،ما يفاقم من عدم المساواة ويحرم الخزانة من عائدات تحتاجها لتقليص آثار التفاوت في الدخول.
لكن تحت هذا السطح، تحدث التحركات الحقيقية. فمن خلال تغيير القوانين والأوامر التنفيذية والطعون القانونية والأدوات الأخرى يستطيع الرؤساء تطبيق سياسات كثيرة خاصة في عصرنا الذي يتميز بحالة التأزم والخلل الوظيفي في الكونجرس. وإلى هذه الساحة تنقل إدارة ترامب معركتها لتقويض قانون الرعاية الصحية الميسورة وتقليص شبكة الأمان للمواطنين وتضر بالمهاجرين.
صحيح أنه كانت هناك قضية بارزة بشأن رغبة الإدارة في إسقاط قانون الرعاية الصحية الميسورة لكن الإدارة دأبت على تقليص الرعاية الصحية من خلال أدوات أخرى. فالإدارة تحاول رفع الحد الأدنى لاستحقاق الإعانات بالنسبة للدخل بطريقة تؤدي إلى فقدان ملايين الأشخاص لتغطيتهم الصحية أو مواجهة تقليص في الإعانات أو كليهما معاً. وأحد أقوى التغيرات في القوانين المؤيدة للعمال- وهو ما يستطيع الرئيس القيام به أيضا دون تدخل الكونجرس- ستكون رفع الرواتب إلى مستوى يتعين عند أقل منه دفع مقابل مادي للعمال مقابل وقت العمل الإضافي. وأشارت الاقتصادية هيدي شيرهولز إلى أن رؤية إدارة ترامب المقترحة تتخلى عن أكثر من ثمانية ملايين عامل كانوا يحصلون على دعم وفق مقترح إدارة أوباما عام 2016.
وفي ظل النظام الحالي، سنعاني تقلبات كبيرة في السياسة في كل مرة ينتقل فيها البيت الأبيض من حزب إلى آخر. لكن هناك كثيراً مما تستطيع عمله إدارة مؤيدة حقا للعمال. فتستطيع وزارة العدل أن تلاحق قضائياً الإجراءات المعادية للنقابات ولمنع الاحتكار. ووزارة العمل يمكنها أن تلاحق قضائيا سوء التصنيف المتفشي للعمال باعتبارهم متعاقدين مستقلين. وفي هذه المرحلة من الحملة، لا بأس من أن يتحدث المتسابقون على ترشيح الحزب «الديمقراطي» على خوض سباق الرئاسي عن طموحاتهم حتى لو بدا هذا بعيدا عن الواقع السياسي. لكن مع اقتراب الانتخابات، يحتاج الناخبون إلى سماع المزيد والمزيد عن مدى ارتداد ترامب عن وعوده بشأن الأسر الهشة اقتصادياً، وعما سيقوم به المرشح «الديمقراطي» لإصلاح ما حدث.
*كبير الاقتصاديين السابق لنائب الرئيس السابق جو بايدن وزميل «مركز الميزانية وأولويات السياسة».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوسا وبلومبيرج نيوز سيرفس»