باقي على الانتخابات الرئاسية الأميركية 66 أسبوعاً، و«الديمقراطيون» المنوط بهم إنقاذ سفينة الدولة الغارقة يبدو أنهم سيغرقون بالأحرى في بحر من الشعور بأنهم على حق، بدلاً من قيادة السفينة - التي أضر بها دونالد ترامب - إلى بر الأمان. والمناظرات الرئاسية في الأيام القليلة الماضية كانت كارثة لـ«الديمقراطيين»، لأن إعلانات الهجوم «الجمهورية» كانت تردد بالفعل ما قاله المرشحون الرئيسيون، مثل التركيز على الدعوة إلى التخلص من الرعاية الصحية الخاصة للأفراد، وعدم تجريم عبور الحدود بشكل غير قانوني والاشتراكية! وبدلاً من التصدي بفعالية للقضية السهلة، التي تتمثل في ملاحقة ترامب، لاحق «الديمقراطيون» واحداً من أفضل الرؤساء وهو باراك أوباما.
إنني أعلم أن السياسة ليست أمراً سهلاً، لكن إلحاق الهزيمة بترامب أمر سهل، وهذا عن طريق جعل المعركة تدور حول سياساته المعادية للعمال والنساء والبيئة، فليس لدى ترامب فلسفة حكم مميزة، بل صراخ وغضب وتقسيم، والناس يتحرقون للتغيير.
ومن بين 20 مرشحاً «ديمقراطياً»، ظهروا في المناظرات في الأيام القليلة الماضية، لم يتجاهل منهم إلا عدد محدود أفضل الأمور التي يجب أن يتابعها الحزب، وهي أن ترامب حاول جاهداً أن ينزع الرعاية الصحية عن ملايين الناس، وإدارته سعت في وضع تشريع للقضاء على برنامج أوباماكير، الذي يمنح التأمين الصحي حتى في حالة وجود ظروف صحية سابقة على التأمين، ونجح «الديمقراطيون» في انتخابات عام 2018، بناءً على رسالة تستهدف إنقاذ هذا الجزء المستدام من أكبر أرث لأوباما، لكن «الديمقراطيين التقدميين» استبدلوها برسالة خاسرة من عندهم، وهي إزالة التأمين الصحي الخاص عن أكثر من 150 مليون أميركي، وهذه هي الطريقة التي توقع السيناتوران اليزابيث وارين، وبيرني ساندرز أن يفوزا بها.
وقالت السيناتورة «آمي كلوبتشار»: «إننا حريصون على الفوز بحجة أكثر من حرصنا على الفوز بالانتخابات»، وردت «وارين» بأنه يجب على الشخص ألا يتنكب كل مشكلات السباق من أجل الفوز بمنصب الرئيس، دون أن يكون لديه أفكار كبيرة، وهذا صحيح، لكن يجب على الشخص ألا يخوض مشكلات السباق إلى منصب الرئيس، دون أن يكون لديه أفكار صحيحة ليفوز بالانتخابات، وساندرز مروج لشعارات، ويجب أن يرشح نفسه رئيساً لحزب اشتراكي من اختياره، ويترك الديمقراطيين ليقاتلوا من أجل أغلبية الديمقراطيين.
وظهر أمران في المناظرة، وهما أن هناك صدامات شخصية وبعض ألوان التهكم التي يركز عليها دوماً الخبراء الذين ينظرون إلى السياسة باعتبارها مسرحاً، وهناك البيانات والتوقعات عن السياسة التي ينتبه إليها الناخبون، وربما تكون «وارين» أفضل المتسابقين في المناظرات، لكنها تروج لمواقف لا يمكن أن تفوز، تتعلق بالرعاية الصحية والحدود المفتوحة، وكيفية تغطية الخدمات التي تكلف تريليونات الدولارات، والتي تريد جعلها مجانية.
وأوباما، أصبح من بين الجميع هدفاً لمرشحي «اليسار»، رغم أنه أكثر «الديمقراطيين» شعبية، فقد أشار مسح أجراه مركز «بيو» البحثي، العام الماضي، إلى أن عدداً أكبر من الناس يرونه أعظم الرؤساء الذين شهدوهم في حياتهم، ولم يتعرض أوباما لهجوم مباشر هذا الأسبوع، لكن سياساته تعرضت للهجوم، و«جو بايدن» أيد جانباً من سياسات أوباما، معلناً أنه إذا عبر المرء الحدود بشكل غير قانوني يتعين إعادته إلى بلاده، «إنها جريمة»، لقد كان هذا موقف أوباما، أما ترامب فقد ذهب في هذا إلى مستوى جديد قاس وكارثي، أدى إلى تمزيق شمل الأسر واعتقال الأطفال، لكن هناك ما يكفي من «الديمقراطيين» يريدون عدم تجريم عبور الحدود، ولذا استطاع ترامب أن يكون له ميزة في هذه القضية.
وتوقع البعض، انهيار «بايدن» بعد أول مناظرة لكن بعد مرور شهر، ما زال نائب الرئيس السابق يتصدر الساحة بهامش جيد، وما دام بايدن يستطيع مواصلة الدفاع عن أفضل ما في تركة أوباما، فإنه سيظل أكثر «الديمقراطيين» قدرة على الأرجح على التخلص من عالم دونالد ترامب، لكنه ما زال يفتقر إلى حدة الذهن والتركيز، فقد تلعثم في رقم في نهاية المناظرة، فيما يشبه نسيان كبار السن، وهذا أفسح المجال لـ«بيت بيتجيج» وهو أصغر المرشحين سناً في الساحة، وقد أظهر حكمة أكبر من عدد من كبار السن، إنه ذكي ودقيق ويعكس التفاؤل الأميركي الشديد، فحين انتقد «الجمهوريين»، لرفضهم التصدي لترامب، أظهر أنه واحد من المرشحين القلائل، الذين انتبهوا لدعوة التاريخ، ليسمع النداء نفسه الذي أرشد أوباما.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»