الاندماج النووي يمد النجوم والشمس بالطاقة عبر تفاعلات تحول نواة الهيدروجين إلى نواة الهيليوم، وإذا استطعنا أن نتقن العملية على الأرض لأصبح لدينا مصدر آمن وبلا حدود افتراضياً من الطاقة النظيفة. وكل عام يجتمع علماء من أنحاء العالم لمناقشة هذا الأمر، وكذلك تحاول معامل الجامعات والحكومة منذ أكثر من 50 عاماً دون أن تصيب نجاحاً.
لكن الآن، هناك نبرة مختلفة وحماساً أكبر في وقت بدت فيه الأبحاث تؤتي ثمارها وتقربنا من الحصول على طاقة اندماجية كمصدر للطاقة قابل للصمود. وتستهدف طائفة من الشركات الناشئة الجديدة إنجاز هذا في غضون 15 عاماً مدفوعة بالاعتقاد بأن الشركات الخاصة الصغيرة الرشيقة قد تنجح فيما فشلت فيه مشروعات الحكومة الضخمة ثقيلة الحركة. ويجري الإشارة إلى شركة إيلون ماسك «سبيسإكس»، الخاصة بتكنولوجيات استكشاف الفضاء.
لكن ربما يكون من السذاجة أن نتوقع تحقيق نجاح مماثل في الطاقة الاندماجية. وهذا لأن شركة «سبيس إكس» استغرقت 13 عاماً لتصبح أول شركة خاصة لإطلاق صاروخ وعودته إلى الأرض قادر على السير في مدار، وكانت الشركة تتمتع بميزة القاعدة العميقة من الفهم العلمي لتكنولوجيا الصواريخ. والجدير بالذكر أن إنتاج طاقة الاندماج النووي يتطلب توافر ظروف قصوى، ما يجعل التحدي العلمي صعباً لا يمكن القياس عليه. ولهذا ربما يتبين أن المختبرات الحكومية البطيئة والمنهجية مازال لها أفضلية في سباق الطاقة الاندماجية.
ومن حيث التصور النظري، يبدو الاندماج سهلاً. إنه يحتاج إلى إخضاع وقود الهيدروجين لضغط وحرارة عاليين وإبقائه في هذه الحال لمدة طويلة كافية لوقوع التفاعلات الحاسمة. والعقبة الرئيسة هي عدم الاستقرار الناجمة عن الاحتمالات الكثيرة المفاجئة التي قد تحدث فيها الأخطاء. وفي إحدى المقاربات، وتعرف باسم الاندماج بحصر القصور الذاتي، تُستخدم نبضات مكثفة من ضوء الليزر لضغط قطرة صغيرة للغاية من الوقود في محاولة للوصول إلى درجة الحرارة والضغط التي تقارن بما يوجد في داخل النجوم. ورغم عقود من التنقيح، فإن الضغط العنيف يمزج دوماً الأجزاء الباردة والساخنة من الوقود مما يقيد الحصول على نتائج.
لكن سلسلة من التجارب أجريت العام الماضي، في منشأة الاشتعال القومية التابعة لمعمل لورانس ليفرمور القومي، تجاوزت بالفعل مرحلة محورية، حيث أطلق الاندماج طاقة من التفاعلات أكثر مما كان مقرر أن يحدث. والحوسبة واللوغاريتمات الخاصة بعمل الآلات قد تساعد الباحثين في البناء على هذا الإنجاز من خلال تصميم تجارب أفضل.
وهناك مقاربة أخرى تستخدم الزجاجات المغناطيسية لإبقاء المادة في أقصى درجات حرارة، لكن في كثافة أقل بكثير من تجارب الضغط. وهذا هو هدف المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي وهو أكبر مشروع للاندماج النووي في العالم الذي أقيم في فرنسا. ويأمل المفاعل أن يثبت إمكانية تحقيق الاندماج المستدام بحلول عام 2035. واللوغاريتمات تحسن الاحتمالات أيضا هنا، حيث يأتي عدم الاستقرار الرئيس من خلال «التعطلات» التي تتعلق بتفريغ كارثي مفاجئ للمادة فائقة الحرارة والتيار الكهربائي، ما يدمر العناصر المحورية للمفاعل. وتوصل فريق بحثي في الآونة الأخيرة إلى أن اللوغاريتمات يمكنها أن تحدد عمليات التعطل المدمرة تلك قبل أن تحدث مما يعطي للعلماء تحذيراً في 30 جزءاً من الألف من الثانية، وهي فترة كافية لتجنب الفشل التام.
وهذه المقاربات الرئيسة تعتمد على عقود من التعلم المتراكم. فهل تستطيع أي من الشركات الخاصة الجديدة أن تسبقها إلى خط النهاية؟ تعتزم إحدى هذه الشركات ويطلق عليها «كومنولث فيوجن سيستمز» أن تبني مفاعلاً قادراً على العمل بحلول عام 2025. وتعتزم شركة أخرى يطلق عليها «فيرست لايت فيوجن» استخدام نهج مختلف تماماً لا يشبه جهود الاندماج الرئيسة. وهناك أكثر من 20 شركة ناشئة أخرى ظهرت في السنوات القلية الماضية.
وفي تقرير صدر العام الماضي، عرضت مجموعة «جيسون» الاستشارية للعلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة وجهة نظر متشائمة إلى حد ما بشأن احتمالات حدوث نجاح في المدى القريب بتكلفة منخفضة. وأرجعت الشركة هذا في جانب منه إلى قراءة تطور تاريخ التكنولوجيات المحورية الأخرى بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فهذه أتت أُكلها عن طريق التحسينات التدريجية البطيئة من خلال تصميمات أفضل ومواد جديدة وببطء أكبر بكثير مما توقع معظم خبراء الصناعة. ورأت جيسون أن توافر طاقة اندماجية عملية لن يتحقق قبل 30 عاماً.
*فيزيائي وكاتب علمي ومؤلف كتاب «التنبؤ: ما تستطيع الفيزياء وعلم الأرصاد المناخية والعلوم الطبيعية أن تعلمنا عن الاقتصاد»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»