من السهل أن نعتقد أنه لا يمكننا وقف فيسبوك كقوة إعلانية قائمة على تعقب شامل للمستخدمين وأن الجهود التنظيمية والتشريعية البسيطة لا تفعل شيئاً لوقفها. لكن تمحيص الخصوصية في فيسبوك والإنترنت نال من آلة الشركة الإعلانية. فقد أثارت فيسبوك قلق المستثمرين قليلا في الأيام القليلة الماضية أثناء مؤتمر لمناقشة أرباحها في الربع الثاني من العام. ومدراء الشركة التنفيذيون أعلنوا أن نمو العائدات سيتباطأ بأكثر مما كان متوقعاً قبل نهاية هذا العام وفي عام 2020. وهذا يرجع في جانب منه إلى القيود المختلفة المفروضة ذاتياً على جمع فيسبوك للبيانات. ولم تذكر فيسبوك تفاصيل نطاق هذا الركود في النمو أو أسبابه.
وقد فرضت أوروبا العام الماضي قواعد صارمة بشأن خصوصية البيانات. وهذه القواعد الأوروبية تلزم فيسبوك بالحصول على إذن صريح من المستخدمين عن كل أنواع البيانات التي تجمعها، والتي تعتبر عادية في الولايات المتحدة. وذكر المدراء التنفيذيون أن بعض الأوروبيين يرفضون منح هذا الإذن. وإيقاع نمو عائدات فيسبوك في أوروبا أكثر بطئاً من نظيره في الولايات المتحدة وكندا وفي منطقة آسيا والهادئ. وأعلنت فيسبوك أيضاً أن اللوائح الأوروبية بشأن البيانات لها تأثير خارج القارة ربما بسبب تزايد الاهتمام بممارسات فيسبوك بشأن الخصوصية.
وتحاول شركات مثل آبل التي تتحكم في بوابات مهمة على الإنترنت أن تشن حملة على أنواع جمع البيانات الواسعة التي تشارك فيها فيسبوك وآخرون. وفيسبوك نفسها فرضت قيوداً على أنماط المعلومات التي يتسلل إليها أحياناً المسوقون ويستخدمونها لتوجيه إعلانات وأغلقت فيسبوك بعض فئات المعلومات الخاصة بها التي تستهدف الإعلان. ووعدت فيسبوك أيضاً بتفعيل خاصية تأخرت كثيراً تسمح بالفصل بين تاريخ المستخدم في تصفح الإنترنت وبين حسابه على فيسبوك. وحذّرت الشركة المعلنين من أن خاصية «حذف التاريخ» ستجعل إعلانات فيسبوك أقل ملاءمة لأصحاب الحسابات على فيسبوك. والجدير بالذكر أن فيسبوك لم تفعل الكثير لتقييد أنواع البيانات التي تجمعها الشركة عن مليارات الأشخاص.
والتحذير الخاص بالعائدات يوضح أن آلة النمو التي من المتصور أنه لا يمكن وقفها، تتعطل قليلا حين تصبح فيسبوك وشركاؤها في الإعلان خاضعة لقيود بشأن ما بوسعهم فعله في جمع معلومات مختلفة عن الأشخاص أثناء تجولهم على الإنترنت والعالم الواقعي. وحينها تقل قدرة فيسبوك على توجيه الإعلانات التي يجري تكييفها دوماً لتلائم مستخدماً ما، ويقل أيضاً احتمال استجابة الأشخاص لتلك الإعلانات. ومن ثم، تحقق فيسبوك أموالا أقل.
والمحللون يتوقعون أن يبلغ معدل نمو فيسبوك أقل من 25% لما تبقى من هذا العام. وهذا موضع حسد لشركة حققت أكثر من 60 مليار دولار من المبيعات السنوية. وهناك طائفة من الأسباب تمنع فيسبوك من النمو بمثل هذه السرعة، منها تحول الناس من شبكتها للتواصل الاجتماعي الهادفة للربح إلى شبكة انستجرام الأقل ربحية نوعاً ما. والبطء المتوقع في النمو يوضح أن هناك تأثيراً لقيود الخصوصية التي فرضتها الحكومات وحراس البوابة على الإنترنت وفيسبوك نفسها.
وليس من الواضح ما إذا كانت توقعات عائدات فيسبوك قد استبقت التأثيرات المحتملة المتعلقة بلجنة التجارة الاتحادية التي فرضت على فيسبوك غرامة خمسة مليارات في الأيام القليلة الماضية بسبب انتهاكات تتعلق بالخصوصية. وفرضت اللجنة أيضاً على فيسبوك إجراء بعض التغييرات الهيكلية في تعاملها مع شؤون الخصوصية. ولم تخبر فيسبوك المستثمرين بأن التعديلات التي فرضتها اللجنة تلزم الشركة بإنفاق مبلغ كبير من المال سيجعلها تتأخر على الأرجح في طرح منتجات جديدة.
ومازال من الممكن أن يطالب الناس بامتيازات وإجراءات إضافية من فيسبوك حول خصوصية المستخدم. وكنت قد كتبت منذ أيام قليلة أن اقتصاد الإنترنت برمته، بما في ذلك فيسبوك وجوجل، انتعش لأنه جعل التعدي في جمع البيانات أمراً عادياً بطريقة لا يفهمها الناس تماماً ولا يمكنهم الموافقة عليها. ومما يساعد على الإصلاح أن يُسمح لمزيد من المستخدمين بأن يسمحوا لفيسبوك بجمع المعلومات داخل جدران شبكتها الاجتماعية فقط وفي البرامج الأخرى وليس في كل مكان على الإنترنت وفي العالم الواقعي. لكن حتى دون هذه الخطوة المهمة، أصبح من الواضح أن سنوات التمحيص عرقلت اندفاع فيسبوك. والواقع أن اتخاذ إجراءات صارمة بشأن الخصوصية له تأثيره غير الهين.

*صحفية تغطي شؤون التكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»