في شيلي، وبدءاً من يوم 27 يونيو، لم تعد شاشات السينما والتلفزيون تبث إعلانات عن الأغذية عالية السعرات الحرارية التي بها نسب كبيرة من السكر والصوديوم والدهون المشبعة بين الساعة السادسة صباحاً والعاشرة مساء بموجب قوانين جديدة تستهدف تقليص البدانة لدى الأطفال. وهذا يعد واحداً من أحدث المساعي في الحملة ضد البدانة التي انخرطت فيها دول أميركا اللاتينية وحققت فيها نجاحاً أحياناً.
والأمراض المعدية ما زالت من الأسباب الرئيسة للوفاة في الدول النامية، لكن مع نمو اقتصادات هذه الدول وانتشار نمط الحياة الغربية كالتدخين واتباع حمية غذائية كثيرة الدهون، أصبحت البدانة وعدم القيام بتدريبات رياضية من مشكلات الصحة العامة الحديثة.
والمنطقة تشن حملة ضد المشروبات المحلاة بالسكر والأغذية المبالغ في معالجتها في مسعى للنجاة من انتشار البدانة التي اكتسحت الولايات المتحدة. وفي شيلي، أقر مجلس الشيوخ قوانين صارمة بشأن البيانات التي توضح مكونات الأغذية. وفرضت المكسيك ضرائب على المشروبات السكرية والوجبات السريعة ولجأت البرازيل إلى إجراءات أثبتت فعاليتها.
وفي عام 2012، كان ربع أطفال شيلي وثلث الراشدين فيها وزنهم زائد. والأرقام في شيلي ليست حالة شاذة. ففي الولايات المتحدة، زادت نسبة الأطفال والمراهقين زائدي الوزن أكثر من ثلاثة أمثال منذ سبعينيات القرن الماضي، وفقاً لـ «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها». ونسب البدانة وسط الراشدين ليست أحسن حالاً، ففي عام 2007 بلغت نسبة الأميركيين الراشدين زائدي الوزن 33.7%. وأحدث تقديرات الجمعية الطبية الأميركية تقترب من نسبة 40%.
وفي يوليو 2012، وافق مجلس الشيوخ في شيلي على قانون بشأن بيانات الأغذية والإعلان عنها تم تطبيقه عام 2016 مع سياسة شاملة للأغذية تتزايد صرامة عبر ثلاث مراحل. وتضمن القانون الذي دفع به جيدو جيراردي، الطبيب وعضو مجلس الشيوخ السابق، وضع تحذير في واجهة العبوة وفرض قيود على تسويق المنتجات غير الصحية للأطفال وقيد الأغذية التي يمكن بيعها في المدارس ومنشآت الرعاية اليومية للأطفال. فالأغذية التي بها كميات كبيرة من السكر والدهون المشبعة والسعرات الحرارية والمضاف إليها الصوديوم يجب أن يكون عليها علامة التوقف السوداء في واجهة العبوة. ولا يمكن بيع أي عبوة عليها علامة التوقف السوداء في المدارس أو تضمينها في إعلانات تلفزيونية أو استراتيجيات ترويجية تستهدف الأطفال.
وفي المكسيك وشيلي والبرازيل وكولومبيا، شارك «باري بوبكن»، الأستاذ بقسم التغذية في مدرسة «جلينجز» للصحة العامة العالمية في جامعة نورث كارولاينا الأميركية، في وضع سياسات خاصة بالأغذية. ويؤكد «بوبكن» أن السياسات تمخضت عن خفض بنسبة 25% في مشتريات المشروبات السكرية وتقلص بنسبة 9% في شراء حبوب الإفطار المحلاة بالسكر. وأعيد توليف تركيبة كثير من الأغذية المعلبة لتحتوي على كميات أقل من السكر والصوديوم في محاولة لتفادي ملصقات علامة التوقف السوداء.
ووافقت أوروجواي وبيرو على ملصقات تحذير مشابهة لتلك المستخدمة في شيلي وهي دولة يصنفها البنك الدولي باعتبارها اقتصاد مرتفع الدخل. ويقول «بوبكن» إن استراتيجيات مختلفة مثل فرض ضرائب على المشروبات السكرية أثبتت فعالياتها في دول مثل المكسيك التي بها نسبة أكبر بكثير من المواطنين منخفضي الدخل.
وبين عامي 1989 و2006، زاد استهلاك المشروبات السكرية بنسبة 60% في المكسيك. ومعدل استهلاك الفرد المكسيكي للصودا أعلى من سكان أي دولة أخرى تقريباً.
وأشار «خوان ريفيرا»، مدير المعهد القومي للصحة العامة في المكسيك إلى أن «المكسيكيين يستهلكون في المتوسط 25% من كل ما يحصلون عليه من سعرات حرارية من الأغذية السريعة والمشروبات المحلاة بالسكر». ويؤكد أن المكسيك كانت أكبر مستهلك للكوكاكولا بين عامي 1995 و2005. وأضاف «ريفيرا» قائلاً «أدركنا أنه إذا كان يتعين علينا اتخاذ إجراء واحد للتغلب على البدانة، فهذا الإجراء المثالي يتعين أن يكون تجاه المشروبات المحلاة بالسكر».
وفي عام 2012، بدأ «ريفيرا» والجهات المنظمة استكشاف فرض ضريبة على الصودا وتوصلوا إلى أن زيادة السعر بنسبة 10% يقلص الاستهلاك بنسبة 12%. واعترضت شركات الصناعة بأن فرض الضريبة يضر بمنخفضي الدخل وأن هناك حلولاً أخرى لمشكلة البدانة مثل ممارسات التمرينات الرياضية. وردت جماعات مدافعة عن الصحة العامة بإعلانات توضح للمستهلكين مخاطر المشروبات المحلاة بالسكر، ثم فُرضت ضريبة العشرة في المئة في يناير عام 2014 على الأغذية السريعة والمشروبات المحلاة بالسكر. وأشار «ريفيرا» إلى أن تقييم تأثير ذلك على مستويات البدانة سابق لأوانه لكن المكسيكيين منخفضي الدخل قلصوا استهلاكهم من المشروبات المحلاة بالسكر بنسبة 12% وتقلص استهلاك هذه المشروبات بنسبة 5% لدى الفئة الأعلى دخلاً.
أما في البرازيل، فقد اتبعت استراتيجية تغيير السلوكيات الغذائية للمواطنين نهجاً طوعياً، وهو نهج أثبت فعاليته. فقد تضمن «الدليل الغذائي للبرازيليين» لعام 2015، إرشادات مباشرة وقوية بشأن الغذاء الصحي وتأثير الغذاء على البيئة. وتضمن أيضاً دليل عام 2020 الذي يجري مراجعته الآن فكرة الاستدامة في البيئة.
*صحفية متخصصة في شؤون الغذاء
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»