ما الخطأ في خفض سعر الفائدة 50 نقطة أساس؟ إنني أؤيد تماماً أن تفعل البنوك المركزية كل ما بوسعها لتدعم نمواً مرتفعاً ومستداماً وشاملاً. لكن هذا لا يعني العصف بكل شيء حين يكون أداء الاقتصاد حسناً نسبياً وحين تكون الأسواق المالية منتعشة والذخيرة السياسية محدودة. ولا مسوغ لتزايد الضغط على الاحتياط الاتحادي الأميركي ليقلص سعر الفائدة 50 نقطة أساس هذا الشهر. وإذا أذعن الاحتياط الاتحادي، فسيخدم بذلك مصالح قصيرة الأمد لأصحاب الأسهم المالية مقابل المغامرة بصعوبات أكبر مستقبلاً.
والتوقعات بشأن عمل سياسة الاحتياط الاتحادي تتبع نموذجاً مألوفاً يتمثل في أنه مهما يكن من مقدار ما تحصل الأسواق المالية في الغالب على ما تريده، فإنها تطلب المزيد. والتوقعات ظلت تتجاوز إيقاع الاحتياط الاتحادي، رغم أنه قام بتغيير مسار ملحوظ في الاتجاه المعاكس خلال الشهور القليلة الماضية.
لكن الأسواق ليست راضية وتضغط الآن من أجل ما يصل إلى خفض ثلاث مرات في الشهور المقبلة مع دعوات متصاعدة من أجل خفض 50 نقطة أساس في يوليو الجاري. وتطور التسويغ لأسعار الفائدة المنخفضة، فبينما كان يجري امتداح خفض الفائدة باعتباره «تأميناً» ضد الضعف الاقتصاد في الخارج وعدم اليقين بشأن التجارة والسياسة، تحول النظر إلى الخفض الآن باعتباره نهج الصدمة والترويع لإبقاء الاقتصاد قوياً حتى لو كان هذا الاقتصاد «في موقع جيد» كما يروق لجيروم باول، رئيس الاحتياط الاتحادي، أن يصفه.
ورغبة الأسواق في تقليص سعر الفائدة يمكن تفهمه. فقد استفاد المستثمرون كثيراً في السنوات القليلة الماضية من مزيج نادر من التقييمات الأعلى والتقلبات المنخفضة والعلاقات الارتباطية غير المعتادة التي شهدت ارتفاعاً منسجماً لكل الأصول. وهذا المزيج الذي يحمل تعويضاته يتعلق بالسيولة الوافرة في البنك المركزي مدعوماً بالثقة بأن السياسة النقدية ستقدم على المزيد من الإجراءات كلما شعر المستثمرون بالخطر.
لكن تصعب إقامة الحجة على رفع سعر الفائدة 50 نقطة أساس باستخدام قائمة أولويات أكثر تقليدية. صحيح أن الزخم الاقتصادي في الولايات المتحدة ربما يكون أضعف نوعاً ما مما كان عليه العام الماضي، لكنه لا يزال قوياً مع وصول معدل البطالة إلى أدنى مستوى له خلال خمسة عقود، ومعدل التضخم ليس بعيداً عن هدف الاحتياطي الاتحادي. وعلاوة على هذا، ليس من المضمون أن تخفيفاً إضافياً للسياسة النقدية قد يكون له تأثير ملموس على أداء الاقتصاد.
وفي الوقت نفسه، هناك تكلفة ومخاطر متضمنة في تجاوز تقليص التأمين في هذه المرحلة. فأسعار الأسهم قد تصبح أكثر انفصاماً عن الأساسيات، والأسواق تجد راحة كبيرة في السيولة الوافرة. والسياسيون سيكون لديهم سبب آخر للتردد في السياسات المؤيدة للنمو. وقد يُنظر إلى الاحتياط الاتحادي على أنه يخضع للضغط السياسي، ما يقوض مصداقيته. والذخيرة السياسية لمواجهة الركود الاقتصادي قد تتقلص. والشركات قد تجد الشجاعة لتقترض المزيد من الديون، والمستثمرون قد يتوسعون أكثر للحصول على عائدات. وشهية الأسواق التي لا ترتوي للحصول على دعم البنك المركزي ستزداد نهماً.
وفي الوقت نفسه، قد تفسر دول أخرى الدرجة الاستثنائية من التحفيز النقدي للاحتياط الاتحادي باعتبارها مسعى لإضعاف الدولار أمام عملاتها. وهذا قد يعزز احتمال حرب عملات في اقتصاد عالمي يفقد زخمه.
علينا أن ندرك بأن السياسة النقدية سباق ماراثون طويل الأمد وليس سباق عدو قصير الأمد. وتقليص الاحتياطي الاتحادي سعر الفائدة بمعدل 50 نقطة أساس في اجتماعه في نهاية يوليو لن يؤدي لإرهاق أدواته المحورية في صناعة السياسة فحسب، بل يهدد أيضاً سلامة اقتصاد البلاد.
*رئيس كوينز كوليدج بجامعة كامبريدج، ونائب سابق لمدير صندوق النقد الدولي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»