بصفتي رائد فضاء، نظرت عميقاً في الكون إلى عدد لا يُحصى من الأجرام السماوية، لكن مثل أي شخص آخر عندما أحدّق في السماء ليلاً، أرى القمر وأتذكر بإجلال «نيل أرمسترونغ» و«باز ألدرين»، ويوم 20 يوليو 1969، عندما وطأ الإنسان سطح القمر للمرة الأولى.
ويبدو ذلك الإنجاز المبهر أكثر بطولية عندما ندرك كيف كانت التكنولوجيا بدائية في ذلك الوقت. ومثلما أشار البعض مؤخراً، في الذكرى الخمسين لصعود الإنسان إلى سطح القمر، تبدو مجموعة أجهزة الكمبيوتر التي كانت بحوزة «ناسا» أقل قوة من هاتف ذكي واحد في الوقت الراهن! فبعثة أبولو 11 إلى القمر نفسها جاءت بعد 50 عاماً على أول رحلة طيران تعبر الأطلسي من قبل الطيارين «جون ألكوك» و«آرثر براون». وأعقبت بعثة أبولو أول رحلة قام بها السوفييت بـ12 عاماً فقط. ولو أن وتيرة تطور تكنولوجيا الفضاء استمرت على هذا النحو خلال نصف قرن، منذ القفزة البشرية العملاقة، لكانت هناك خطوات للبشر على سطح المريخ الآن.
لكن ذلك لم يحدث، وأنا غير مقتنع بأن هناك حاجة لخطوات بشرية جديدة على سطح القمر. ورغم كثرة حديث إدارة ترامب، مؤخراً، عن العودة إلى القمر، فإن السبب العملي لمثل هذه الرحلة يتلاشى شيئاً فشيئاً مع كل تطور جديد في الروبوتات. لذا، ربما كان علينا ترك الرحلات المأهولة لروّاد الأعمال من القطاع الخاص، إذا رغبوا في تولي مثل هذه المغامرات.
وبالطبع، لم يكن تمويل برنامج أبولو ممكناً، لولا الضرورة الاستراتيجية الأميركية المتمثلة في «هزيمة السوفييت». لكن أما وقد تحققت الريادة، فتبرير التمويل الهائل لبعثات أبولو لم يعد ممكناً.
وخلال العقود التي أعقبت آخر رحلة لأبولو عام 1972، ازدهرت تكنولوجيا الفضاء بشكل كبير، وقد أصبحنا نعتمد بصورة روتينية على أقمار اتصالات صناعية تدور في الفضاء، وأنظمة الملاحة «جي بي إس»، ومراقبة البيئة، وتوقعات الأرصاد.. وانطلقت المركبات غير المأهولة إلى جميع كواكب المجموعة الشمسية.
مارتين ريس: رائد فضاء بريطاني
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»