الإنسان مجموعة مشاعر وأحاسيس وخلجات إنسانية متنوعة، متفرعة من آدميته وأخلاقه وطباعه، وازدواجية الشخصية واحدة من الاضطرابات النفسية، وهي ليست وهماً ولا خيالا، بل هي حالة سيكلوجية واضطراب نفسي حقيقي (سيكوباتي)، وأحياناً ما تكون مرتبطة بالطفولة أو التأثر بعوامل البيئة التي يعيش فيها الفرد أو يستوطنها المجتمع، مما يفسر بعض الحالات النفسية للشخص وتقلباته المزاجية وتخرصاته الفكرية وانفصام شخصيته المضطربة.
وإلى جانب التحولات العالمية والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية السريعة، وحتى الدينية، في المنطقة، فقد مرت على مجتمعنا الخليجي ثلاث مراحل من التغير الديموغرافي والاجتماعي، عبر 100 عام خلت.
وينقسم المجتمع الخليجي إلى ثلاثة أقسام؛ حاضرة وبادية وقروية، وطرأ عليه تحول سريع نحو التمدن وعدد من مظاهر التطور العاجل، بفضل النقلة الاقتصادية السريعة المتنوعة. وفي ظل هذا التغير السريع، نلاحظ على تصرفات بعض الأفراد من المجتمع، أنهم يعانون من انفصام في الشخصية ومن تقلبات مزاجية متنوعة، ومن ازدواجية في المعايير والتصرف والسلوك والتفكير.
وقد تأتي ردة الفعل أحياناً من رصد المجتمع لبعض أفراده وأبنائه، سواء خلال العمل أو في المنزل أو أثناء السفر. فمثلاً إذا نام الشخص مبكراً، اتُّهِم بأنه بلغ من العمر عتيا و تقدَّم في السن وأصبح هرما و«انتهت صلاحيته»، وإذا تأخر عن موعد النوم اتُّهِم بأنه مخدر و«محبب»، وإذا واصل ليله بنهاره قالو له: أنت «مسحور»، وإذا صحي مبكراً اتُّهم بالجنون والتوتر النفسي والتقدم بالسن ومحاربة النوم، وقالو له: أنت «شايب»، وإذا تحدث بالعلم والمعرفة والتطوير والتغيير والتنوير، قيل عنه «ليبرالي ملحد» خارج عن الملة، وإذا تحدث بالوطنية قيل إنه «مطبل»، وحين يتحدث بالعروبة والقومية قيل إنه «قومجي»، وحين يتكلم بإسهاب عن المرأة واحترام حقوقها وإعطائها كل الحرية قيل عنه «متساهل»، وإذا كان صارماً وصادقاً وحاسماً مع أسرته وأولاده اتُّهم بأنه «بدوي جلف صعب المراس»، وإذا أفرط في الطعام والولائم قيل إنه «مهبول»، وإذا كان مقتصداً اتُّهِم بالبخل، وإذا التزم بأناقة هندامه واهتم بمظهره، قالوا عنه «عاشق نفسه ومتصابي»، وإذا لم يعتن بهندامه وأصبح رثّ المنظر، قالوا عنه «جلف لا يعتني بنفسه»، وإذا كان يأكل كثيراً قيل عنه «يازينه ضيف وما أكشره معزب»، وإذا اقتصد في الأكل، قالو إنه بخيل، فلماذا لم يذكره الجاحظ في كتابه البخلاء؟!
ماذا تريدون أيها الناس؟ وكيف نتحدث وكيف ننام وكيف نأكل ونشرب ونلبس ونفكر.. حتى نحظى برضاكم وإعجابكم وكرم سكوتكم وعدم فضولكم وتدخلكم بشؤون البشر؟ وكيف نكون أسوياء من وجهات نظركم المتعددة التي لا تتوقف عند حد؟!
أليست هذه مشكلة عويصة ومعقدة، تستحق أن ترصد وتدرس والتوقف عندها، وأن يتم تشخيصها وتوضع لها حلول، لكي نكون مؤثرين ومبدعين وإيجابيين وفاعلين، ونصنع جيلا حياً ومدركاً وذكياً خالياً من الشوائب والعيوب والعقد، ونصنع علماء وموهوبين وعباقرة؟ وهل سنبقى ندور في هذه الدائرة المفرغة، التي يعانيها مجتمعنا في هذه المرحلة الحرجة والمضطربة، في زمن متقلب ومضطرب يسير بعجلة سريعة تتجاوز من يحاول الوقوف أمامها بدون هوادة ولا رحمة؟!
*كاتب سعودي