ما تعلّمه جيل السبعينيات والثمانينيات كان مناسباً آنذاك لتخريج طلبة متسلّحين بالعلم الكافي لمواجهة تحديات زمنهم، لكنه لا يناسب يومنا هذا. فكثيراً ما يُواجه التغيير في البيئة التعليمية وتطويرها بالشكوى، سواء أكان في المناهج، أو الأنشطة، أو الاختبارات، أو مدة العام الدراسي، أو لوائح السلوك، أو كفاءة المعلمين، أو طرق التدريس.
والملاحظ في بعض تلك الشكاوى أنها تحيل إلى واقع البيئة التعليمية قبل عقود من الزمن، كأنه النموذج المثالي الذي لا يجوز تغييره أو تطويره، فتجد من يعترض على مادة دراسية مستحدثة، وحجته أنها لم تكن مقرّرة في أيامه، ومع ذلك، والكلام له، خرّجت تلك المدارس أجيالاً من الإماراتيين الذين تطوّرت الدولة بهم. وتجد من يعترض على زيادة ساعات اليوم الدراسي، وحجته أنّ مدارس زمان كانت تغلق أبوابها في الواحدة ظهراً، ومع ذلك، والكلام له، خرّجت تلك المدارس أفضل المتعلمين الذين صاروا قيادات في البلد.
وقد تكون ثمة جوانب سلبية في أي تغيير، وقد تكون بعض التحديثات غير ضرورية، وليست هذه القضية، وإنما البرهنة على صحة الشكوى استناداً إلى الماضي.
كيف يمكن المقارنة بين التأهيل اللازم لطالب كان يدخّر نقوده في الحصّالة بالتأهيل اللازم لطالب لديه بطاقة ائتمانية في جيبه؟! أو بين من كان يحلم بالسفر إلى لندن، ومن يرنو إلى المريخ؟! أو بين مَن كان يأمل بمدينة تشبه أي عاصمة عربية، ومن يفكر كيف تبقى مدينته ضمن المدن الأولى عالمياً؟! أو بين من كان موهوباً في الرسم والخط، والموهوب في الجرافيك؟! أو بين من كان يشاهد الرجل الآلي في الأفلام، ومن يشاهده واقفاً إلى جانبه؟! أو بين من كان يحتفل إذا ظهرت صورته في التلفزيون، ومن يمكنه صنع فيديو لنفسه في دقيقة واحدة وبثّه للعالم؟! أو بين من كان يفتش عن المعلومة في الكتب، ومن يجدها بنقرة واحدة؟!
وهل يصلح ما تعلّمه من كان يروح ويغدو على مجتمع صغير لغته عربية، لمن هو في خضم عولمة لا تكفيه فيها لغته الأم ليدبّر أموره؟! وما تعلّمه من كان في مجتمع لا يعرف خطورة التنظيمات السرية، لمن لابد أن يعرفها ويَحذرها؟! وما تعلّمه من كان يعيش مرحلة الأفكار القومية وأحلام الوحدة العربية، لمن يعيش مرحلة أفول أفكار الإسلام السياسي وأحلام الخلافة؟! وما تعلّمه من كان يشهد استخراج النفط واكتشافه، لمن قد يشهد نضوبه؟! وما تعلّمه من كان ينتمي لدولة في بدايات قيامها وتأسيسها، لمن ينتمي لدولة لها حضورها عالمياً، ومن أكثر الدولة المؤثرة إقليمياً وعربياً وإسلامياً، مع كل ما تعرفه الأوضاع الإقليمية من تحديات؟!
ما يتعلّمه طالب هذه السنة قد لا يكون كافياً لطالب العام القادم، فكيف بما حصّله أبوه وجدُّه؟! فكل شيء من حولنا يتغير، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وحضارياً، فضلاً عن التغيرات الهائلة في المعارف البشرية، والتطورات التكنولوجية المستمرة، ناهيكم عن رؤية الدولة للمستقبل، وإعدادها الأجيال للمنافسة على الساحة العالمية.. وإذا لم يكن التعليم مواكباً لهذه التغيّرات، مدركاً للتحديات، متماشياً مع رؤية الدولة، يتغيّر أولاً بأول ويتطوّر، فإن مخرجاته ستكون متأخرة بكل ما في هذه الكلمة‏? ?من? ?قسوة.
*كاتب إماراتي