حول ماذا يدور الصراع بين نانسي بيلوسي وعضوات مجلس النواب التقدميات الأربع اللائي عرفن باسم الزمرة؟ إنه يدور في جانب منه حول الصراع الدائم بين الأعضاء الأصغر سناً الذين يريدون تحقيق التغيير بسرعة،
وبين الأعضاء الأكبر سناً الذين يرون أنه من الضروري التعامل مع الواقع السياسي. لكنه، في العمق، صراع بين وجهات نظر عن العالم. وبصرف النظر عن مدى اعتدال أو يسارية أعضاء «ديمقراطيين» في عمر معين، فقد نشؤوا في مناخ من الليبرالية. ولا أقصد بهذا الليبرالية السياسية لجورج مكجفرن، بل أعني الليبرالية الفلسفية لأشخاص مثل ميشيل دو مونتين وجون ستيوارت ميل وستيفن دوجلاس، ممن شهدوا الحروب الدينية والأهلية وأقاموا هياكل تقيد التعصب.
الليبرالية الفلسفية، تبدأ بتواضع فكري مفاده أن ما نعرفه أقل بكثير مما لا نعرفه، ولذا، فالحياة العامة حوار مستمر ليس له نهاية. ومن وجهة النظر الليبرالية، ينطوي كل شخص على متناقضات وأمور متعارضة. والمرء يسطح وينزع الإنسانية عن الأفراد المعقدين حين ينظر إليهم وفقاً للتقسيمات الفجة ويضعهم في فرق قبائلية. والليبراليون يفضلون دوماً الإصلاح التدريجي المتواصل على الثورة المفاجئة. والليبراليون يؤكدون بشدة على السياق. والسؤال لديهم ليس «ما أريد؟ بل ما هو الجيد الذي يمكنني فعله في ظروف معينة؟».
والليبراليون يحبون التعاطف ويشككون في الغضب ويمقتون القسوة. والسياسة حوار لا مفر منه بين حقائق جزئية. والحلول الوسط فضيلة وليس علامة جبن. وعلاوة على هذا، الوسائل تحدد الغايات. فإذا فزت بالسلطة من خلال خطاب عنف وكراهية الذين يختلفون معك في الرأي، سيكون نظامك الحاكم غاضباً وتدميرياً.
لقد خرجت الليبرالية من رحم حقيقة مفادها أن الثورات السياسية، رغم أنها تكون شيقة في بداياتها، تنتهي عادة بالوحشية والاستبداد والدماء. والعمل من داخل النظام أفضل. والأشخاص الذين بلغوا سن الرشد في العقود القليلة الماضية لم ينشؤوا في مناخ من الليبرالية المفترضة بل في مناخ ينتقدها. والمنتقدون من اليمين يجادلون بأن الليبرالية التعددية تخلق مجتمعاً ضعيفاً للغاية، كما أنها تفتقر إلى الروابط القوية للقبيلة. والمنتقدون في اليسار يجادلون بأن الليبرالية هي مجموعة من الإجراءات المحايدة فيما يبدو، التي يتبناها أصحاب الامتيازات لإخفاء قبضتهم الضمنية على السلطة. ويكره المنتقدون من الجناح اليساري تدريجية الليبرالية، ويجادلون بأن الظلم لن يقتلعه إلا ثورة كاملة. وهم لا يشاركون إيمان الليبرالية بصدارة حرية التعبير. ويجادلون بأنه يتعين أحياناً تقييد حرية التعبير لأن الكلمات غير الصحيحة قد تعوق تفكيرنا. وهم يتبنون مبدأ الجوهرية وهو الطرح النظري المعارض لليبرالية، أي الاعتقاد بأن الشخص له هوية واحدة لا تتغير أبداً.
باختصار، كثير من الزعماء الشباب حالياً وحلفائهم الأكبر سناً، لا يريدون العمل في إطار النظام الليبرالي، بل يريدون نسفه. فأي الجوانب سيسود؟ الإجابة أنه على المدى القصير، أراهن على فوز المناهضين لليبراليين. فالليبرالية تعاني من سلسلة من عناصر الضعف مثل:
أولاً: خذل الليبرالية كثير من الأميركيين. ومغامرة الليبرالية تواجه الناس بأفكار وأشخاص جدد ومختلفين. لكن الأميركيين، من اليمين واليسار، انتقلوا إلى نمط حياة يضمهم مع أشخاص يشبهونهم. وتوقف الأميركيون عن رؤية بعضهم البعض بدقة. وأُغلق باب الحوار الذي هو دماء حياة الليبرالية.
وثانياً: المؤسسات الليبرالية تدهورت. ويحتاج المجتمع الليبرالي إلى جامعات يجري فيها الجدل بحرية حول الأفكار. ويحتاج إلى منافذ إعلامية تكافح من أجل تحقيق الموضوعية. ويحتاج إلى مؤسسات سياسية مثل مجلس الشيوخ الذي تحكمه إجراءات يراد بها الحفاظ على عملية نزيهة للجانبين. ويحتاج إلى أشخاص يضعون قواعد اللعب النزيه فوق الحماس الحزبي قصير الأمد. وهؤلاء الأشخاص نادراً ما يوجدون.
ثالثاً: دونالد ترامب، فقد حرك جماعات غير ليبرالية في الحزب «الجمهوري» وألحق هزيمة بسهولة بالحرس القديم. وحول الحزب «الجمهوري» إلى قوة غير ليبرالية. ومن الصعب للغاية على «الديمقراطيين» اللعب وفق قواعد الليبرالية، على حين أن الحزب الآخر لا يلتزم بها. الليبرالية محاولة لتقييد العواطف وليس تهييجها. والليبرالية تتعلق بتقدير خصومك وليس إطلاق أوصاف العنصرية أو الخيانة عليهم.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز».
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/07/15/opinion/trump-pelosi-squad.html