وقف نائب الرئيس الأميركي «مايك بنس» أمام 400 شخص تقريباً مسجونين داخل سياج مغلق ومزدحم، من دون استحمام ولا يقيهم شرّ البرد إلا بعض الأغطية الحرارية، وكان بعضهم يتهكم على بنس. فهل كان يشعر بالفخر؟ أم أنه أدرك صعوبة فهم هذا الوضع؟ كان يقف على مقربة من المهاجرين وينظر إليهم رغم ذلك وكأنهم ينتمون إلى أنواع شبيهة بالبشر!
غير أن بنس لابد أن يفهم، وهذا ما حاول فعله. فقد قال بعد زيارته مركزَ احتجاز المهاجرين في مدينة «ماكلين» بولاية تكساس، الجمعة الماضي، «يمكن للأميركيين إدراك أن هذه الأزمة حقيقية»، مضيفاً: «هذا دليل على أن النظام منهك».
وبالطبع كانت هذه تصريحات ذكية، فقد وصف الوضع بالأزمة، وربما أصبحت كذلك. لكن ليؤمن بنس بذلك حقاً، عليه أن يتجاهل التمييز الجغرافي بين القوى التي تدفع بالمهاجرين إلى الحدود وظروف انتظار القادمين الجدد داخل الولايات المتحدة، لاسيما أن إدارة ترامب تستخدم مصطلح «أزمة» المطاط للخلط بين فوضى الوضع على طول الحدود (ولها أسباب كثيرة) وعدم ملاءمة مواجهتها (وليس لها إلا سبب واحد).
والتحديات عند الحدود تشكل أزمة، لكن مواجهتنا لها لا ينبغي أن تكون كذلك. فالنظام ليس منهكاً، وتُوجد في ولاية تكساس طاقة وكهرباء ومياه وإنترنت. وهي ليست مثل هاييتي بعد الزلزال أو نيو أورليانز بعد إعصار كاترينا. وتعريف الأزمة هو تعطل إجراءات التشغيل النموذجية عندما تعجز أنظمة الاستجابة عن التكيف مع الوضع، وعندما لا يمكن نقل الناس أو السلع أو البضائع من مكان إلى آخر. وتحدث الأزمة عندما تتعطل سلسلة التوريد بدرجة تجعل من الصعب نقل الأدوية أو معدات الطوارئ، ولا يمكن توصيل المياه أو توفير الغذاء. ولا شيء من ذلك يحدث في أي مكان من الولايات المتحدة.
وضيق المكان ونقص الملابس وأدوات الاستحمام والنظافة، مثلما شاهدنا في تلك المرافق، هي مشكلات مرتبطة بسلسلة التوريد، ونحن كدولة نبلى بلاء حسناً في حلول التوريد. ونعرف كيف ننقل الناس والسلع والبضائع، خصوصاً عندما لا تكون هناك أعاصير ولا زلازل.
لكن كيف يتعين فعل ذلك؟ لقد فعلناها من قبل. ويمكن للإدارة أن تنشأ هيكل قيادة للطوارئ، وفقاً للمعايير العالمية والمتعارف عليها، وأن تطلب تعزيزاً. ومن الممكن أن تضع آلية للدعم في مختلف الوكالات، بما في ذلك الحرس الوطني، لتقديم المأوى والرعاية والمياه والأمن والمتطلبات الخاصة. ومن الممكن أن تنشأ قيادة موحدة واسعة النطاق لضمان التكامل والتنسيق بين الولايات بحيث يتم تبادل المعلومات.
إنها ليست تكنولوجيا صاروخية، وإن كان الأمر يبدو معقداً، لكن هناك مجموعة من الممارسات المعروفة منذ وقت طويل تمثل أساساً للإدارة في حالات الطوارئ. وهناك أدوات وخطط يستخدمها مديرو الأزمات لحل المشكلات، على افتراض أن المسؤولين عنهم يرغبون في حلها.
والحقيقة أن ما يراه «بنس» هو إخفاق من قبل إداراته في تطبيق معايير الصحة والسلامة العامة المعروفة، وليس إخفاقاً في سياسات الهجرة الأميركية، التي تلوم عليه الإدارة الحالية بعد عامين في السلطة الجميع باستثناء نفسها.
وأود أن أؤكد أنه ليس صعباً تقديم مزيد من أدوات الاستحمام والصابون وفرش الأسنان.. إلى منشآت الاحتجاز عند الحدود، والاستعانة بخبراء للمساعدة في رعاية الأطفال والتعليم وتوزيع الملابس، وتوفير فراش لينام عليه أولئك البشر.
*مساعدة سابقة في وزارة الأمن الداخلي ومديرة برنامج الأمن الداخلي لدى جامعة هارفارد
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»