في آسيا، تتكشف أزمة لا يلتفت إليها كثيرون. والولايات المتحدة التي ربما تكون الطرف الوحيد القادر على معالجة الأزمة لا تلتفت إليها. فهناك خلاف كبير بين اليابان وكوريا الجنوبية، حليفي الولايات المتحدة المهمين. وانفجر الشقاق في وقتٍ مبكرٍ هذا الشهر في صورة حرب تجارية خطيرة. والصراع لا يهدد شبكة حلفاء الولايات المتحدة فقط، بل أيضاً الرخاء الإقليمي وسلاسل الإمداد الدولية.
وظهرت أحدث حلقات الدراما مع قرار للمحكمة العليا في كوريا الجنوبية العام الماضي طالب شركات يابانية بدفع تعويض مقابل تسخير عمال أثناء الاحتلال. وردت طوكيو بأن اتفاق التطبيع لعام 1965 تجاوز التعويضات. لكن كوريا الجنوبية ترى، استناداً إلى قرار المحكمة، أن الاتفاق لا يسري على الأفراد. وفي الآونة الأخيرة، أصدرت محكمة كورية جنوبية أمراً بالاستحواذ على أصول شركة يابانية وتوزيعها مما مثل تجاوزاً لخط أحمر لدى طوكيو. وردت اليابان بفرض قيود مشددة على صادرات حيوية إلى شركات كورية جنوبية تنتج شبه الموصلات التي تمثل مكونات الرقائق الالكترونية المستخدمة في الهواتف الذكية والكمبيوترات اللوحية وطائفة من الأجهزة الإلكترونية الصناعية. وأشار تقرير لبلومبيرج إلى أن تحرك اليابان يؤثر في الأساس على شركتي سامسونج إلكترونيكس وإس. كيه. هانيكس اللتين تنتجان مجتمعتين 60% من رقائق الذاكرة عالمياً.
والتكلفة الجيوسياسية والاقتصادية لهذا الصراع كبيرة وتتصاعد. وكلا الجانبين ربما تكون لديه نقاط وجيهة تدعم موقفه، لكنهما يدمران مصالحهما وأيضاً مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والدبلوماسية.
فأولاً: تماسك التحالف حيوي لاستراتيجية الولايات المتحدة في شمال شرق آسيا. والتحديات الأمنية الإقليمية التي تمثلها كوريا الشمالية والصين تتطلب حفاظ واشنطن وحلفائها على الوحدة. وبسبب أحدث التوترات، توقف التعاون الدفاعي الثلاثي الذي كان يجب أن يكون في حالة استعداد أمام عدوان كوريا الشمالية. وكوريا الشمالية والصين تعلمان هذا. وكلتاهما حاولت، منفردة أو بالتوازي، توسيع هوة الشقاق بين كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة أثناء فترة التوترات وسط الحلفاء.
وثانياً: الصراع الحالي بين اليابان وكوريا الجنوبية يوفر المناخ الملائم لإبعاد كوريا الجنوبية عن الولايات المتحدة واليابان ويسمح بتقارب بين بكين وطوكيو.
وثالثاً: تحركات اليابان تضفي مشروعية على ممارسة تتضمن تطبيق عقوبات من طرف واحد على أساس قانوني ضد صناعات معينة. وإذا كان حلفاء الولايات المتحدة يدخلون حالياً في مباراة للقمع الاقتصادي الصريح، فهذه الأعمال تغامر ببدء دورة من الانتقام التي تزعزع استقرار التجارة الإقليمية وسلاسل الإمداد العالمية لقارة تمثل ما يقرب من ثلثي النمو الاقتصادي العالمي.
وتستطيع الولايات المتحدة، ويجب عليها، أن تتحرك لكن بحكمة. وواشنطن هي الطرف الوحيد الذي سينصت له الجانبان. ويجب أن يدعو الرئيس دونالد ترامب زعيمي البلدين الآن ويحثهما على وقف التحركات الاقتصادية وبدء المحادثات في أقرب فرصة.
وهناك سابقة لهذا، ففي عام 2014، أثناء توتر العلاقات بين سيول وطوكيو، عقد أوباما في هدوء اجتماعاً بين زعيمي البلدين أثناء قمة دولية. ومنع الاجتماع انهيار العلاقات وخلق إطار عمل لإعادة بنائها، ووافق الزعماء على أن النزاع بشأن التاريخ يجب ألا يقوض التعاون الأمني. والوقت ملائم حالياً للإدارة الأميركية كي تظهر جانباً من دورها القيادي وتوضح لحلفائنا الأضرار المحتملة والمصالح الاستراتيجية الأكبر المعرضة للخطر.
إيفان ميديروس: أستاذ الدراسات الآسيوية بجامعة جورج تاون وعمل سابقاً في مجلس الأمن القومي بإدارة أوباما
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»