لم نشهد سوى مناظرتين وما تلاهما في حملة انتخابات الحزب «الديمقراطي» التمهيدية للسباق الرئاسي، لكن أحد توقعاتي لعام 2020 يتهاوى فيما يبدو. فقد تنبأت في ربيع هذا العام أن «بيرني ساندرز» أمامه فرصة، فيما يبدو، ليحاكي قفزة رونالد ريجان بين عامي 1976 و1980 التي انتقل فيها المتمرد السابق المرفوض، لأنه عجوز جداً ومؤدلج جداً، ليصبح مرشحاً ثم رئيساً من صناع التاريخ. لكن في هذا الصيف يعاني «ساندرز» ليس فقط من انخفاض الشعبية، بل أيضاً من تسرب الدعم وانتقال المال وانتباه وسائل الإعلام إلى آخرين، ويكدح للحفاظ على قاعدته بدلاً من توسيعها.
لكن حين قدمت تصوري عن احتمال محاكاة ساندرز لنموذج ريجان، افترضت أن مكانته في استطلاعات الرأي على مستوى البلاد أعلى- أي أن هناك ما يكفي من الحماس والنوايا الحسنة وسط الناخبين أصحاب التوجهات اليسارية في الحزب «الديمقراطي»، لإبقاء مستوى التأييد لساندرز يحوم حول 20% و30% كما كان حال ترامب في خريف عام 2015. لكن هذه الفرضية لم تصمد، فقد انخفضت نسبة التأييد لساندرز إلى نحو 15% في متوسط استطلاعات الرأي في الوقت الحالي، وهو رقم ضعيف مع الأخذ في الاعتبار شهرة اسمه الواسعة.
واستجابة ساندرز حتى الآن لتلاشي الدعم له تدريجياً، تتبع نوعاً من الاستراتيجية التي تعمل على القاعدة بالسعي إلى تسجيل الناخبين والتعبئة، مع منع الزخم الذي يذهب إلى «إليزابيث وارين» من خلال التأكيد على الطابع الخاص لـ«ساندرز» باعتباره يسارياً حقيقياً في السباق. لكن حين ننظر إلى استطلاعات الرأي بشأن الخيار الأول والثاني لـ«الديمقراطيين»، نلاحظ شيئاً مثيراً للاهتمام، وهو أن ناخبي «وارين» يمثل لهم «ساندرز» خياراً بديلاً، وهناك بالفعل عدد أكبر من ناخبي «بايدن» يضعون «ساندرز» كخيار بديل والعكس بالعكس.
وهذا دليل في جانب منه على أن الناخبين لا ينتظمون وفقاً للفئات الأيديولوجية التي ينشرها كتاب الأعمدة. لكن فيما يتعلق بأن بايدن يمثل حقاً مرشحاً لـ«الديمقراطيين» المعتدلين، فهذا دليل أيضاً على حجة فريق «ساندرز»، التي يتمسكون بها منذ فترة طويلة، وهي أن «بيرني» يجري التقليل من جاذبيته لدى فئة معينة من الناخبين المحافظين ثقافياً والليبراليين اقتصادياً، الذين لا يجذبهم عادة مرشح من أقصى اليسار. وإذا كان الحال هكذا، فقد يكون لدى «ساندرز» استراتيجية أفضل من نهج التصدي لتأثير «وارين» التي يتبناها حالياً. والفئة السكانية المفترضة التي تختار بين بايدن وبيرني لا تتطلع إلى مرشح لديه نظرية أكثر نقاء للتغير الثوري. إنهم يريدون شخصاً يتحيز فيما يبدو لهم ضد الأثرياء أصحاب النفوذ السياسي، ويفضل المعارك الاقتصادية على المعارك الثقافية، ويثقون في قدرته على إلحاق الهزيمة بترامب.
وإذا افترضنا أن ساندرز اجتاز الاختبارين الأولين، فإن مهمته يجب أن تكون انتزاع ناخبي بايدن من خلال طمأنتهم بشأن النقطة الثالثة، بإخبارهم أنه أكثر من مجرد راديكالي، وأنه لا يمانع في الحلول الوسط ويمكنه إبرام صفقات بالفعل، وأن يعمل من خلال قواعد اللعبة القائمة. أي أن انتخابه مأمون، حتى إذا لم يكن الناخب تروقه أفكار ساندرز الثورية.
والواقع أن ساندرز لديه سجل قد يمكنه من إقامة هذه الحجة. فحين كان رئيساً لبلدية بيرلنجتون، اشتهر عنه العمل في حملة دولية معادية لمعاداة الشيوعية، لكنه كان رئيس بلدية براجماتياً عمل مع الجمهوريين في إدارة المدينة. ولذا، حين يظهر سؤال في مناظرة عن كيفية تعامل الرئيس الديمقراطي التالي المحتمل مع الانقسام في الحكومة، لا يوجد ما يسوغ أن يعجز ساندرز عن الإشارة إلى هذا السجل باعتباره نقطة قوة، ويمكنه أيضاً الإشارة إلى العمل مع القوى الشعبوية في الحزب الجمهوري ضد الاحتكارات وسلطة الشركات، أو التباهي بتعاونه في الآونة الأخيرة في مجال السياسة الخارجية مع «الجمهوريين» المناهضين للحرب، مثل مايك لي وراند بول.
طريق ريجان إلى السلطة في عامي 1979 و1980 لم تنطو فحسب على الترويج لنفسه أمام الناخبين على أساس اتباع الفلسفة السياسية المحافظة، بل أيضاً انطوت على الترويج لنفسه باعتباره براجماتياً ورئيساً صاحب رؤية أيديولوجية مقبولاً، وليس مجرد زعيم حركة. وكي يصبح ساندرز أوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب «الديمقراطي» مرة أخرى، عليه أن يروج لفكرة أنه من المأمون التصويت له وليس باعتباره أصدق اليساريين، أو أنقى الاشتراكيين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/07/12/opinion/bernie-sanders-joe-biden-2020.html